Wednesday, July 17, 2013

مراجعتي لرواية متشردا في باريس ولندن لجورج أورويل


"على العبد ان يعمل إن لم يكن نائما "

كنت قد قرأت فيواحد من كتب الماغوط ما معناه أنه عندما قرأإحدى الروايات التي كان موضوعها الجوع قام هذا الأخير بوضع فراشه في المطبخ خوفا على نفسه من الجوع , وهذا بالضبط ما كنت أود فعله خلال قراءتي لهذه الرواية المعضلة .
إن كان جورج أورويل قد عرف عبر روايتيه السياسيتين العظيمتين " مزرعة الحيوان " و " 1984 " فيبدو أن للرجل أعمالا أخرى تستحق القراءة والدراسة وتسليط الضوء عليها , وبحسب المترجم فقد كتبت هذه الرواية خلال الفترة اليسارية التي عرفها المؤلف , وهذا واضح من الحقد الهائل المذي يشعر به القارئ على الرأسمالية وأصحاب العمل والسلطة .
الرواية قسمان يربط بينهما الكثير من الجوع والفقر , القسم الأول يقضيه الكاتب البطل في باريس عاصمة الأنوار !زعموا
والقسم الثاني من الرواية يكون فيه صاحبنا مشردا في عاسمة وطنه لندن !
في القسم الأول يكون صاحبنا وبعد أيام من التشرد والجوع الذي أحسسته به مع الكاتب صائما ينتظر الآذان على أحر من الجمر , يعمل الشاب الذي يفترض أنه كان معلما للإنجليزية وكاتبا مثقفا في مهنة غاسل صحون .
والمفارقة هنا أنني كنت قد عملت لمدة طويلة في مطعم وعرفت إلى حد ما يتحدث عنه الكاتب على الرغم من أن الفارق الزمني بين فترتينا يتجاوز السبعين عاما
واود بهذه المناسبة ان أبشر مولانا أورويل بان أخلاقيات العمل في مهنة غاسل الصحون لا زالت هي نفسها , وأن الشتائم التي لم يسمع بها معظم البشر إلّا و أصابتهم بالتقزز لا زالت تصدر من فيه ممتهن غسل الصحون .
وعلى العكس من المتوقع فإن ما رفع من أسهم الرواية لدي وجعلها من أفضل ما قرأت في حياتي البائسة هو الفصل الأخير في كل تجربة , وفيه يتكلم أورويل أو يتكلم الراوي متحدثا بطبيعية عما يعتقده , وعن المشكلة ويحاول أن يضع لها حلولا , كما انه يشن حربا على هاودة فيها _عجبني المصطلح ولذا استعملته_ على أدعياء الثقافة الذين يفضلون في حقيقة الأمر بقاء الأمور على ما هي عليه من أجل الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم
"ماذا يعرف غالب المثقفين عن الفقر ؟ "أكاد أجزم أنهم لم يعرفوا عنه شيئا , و حتى جوع رمضان في عصرنا هذا ليس كافيا لكي يدفع المثقفين للشعور بالفقراء , فعلى افتراض أنهم يصومون كما يصوم الفقراءة فهل يفطر المثقفون فضلا عن الأغنياء كما يفطر الفقراء ؟ بالطبع لا
ثم ان هناك فرقا أساسيا لا يمكن تجاهله بين جوع الصيام وجوع الفقر , جوع الصيام في أصله جوع طوعي اختياري , بينما جوع الفقر هو جوع من لا يملك خيارا , وهنا تككم المعضلة
جوع من لا يملك هو الذي سيدفعك لو عرفته للشعور بالقرف من ادعاء الطيبة او ادعاء التعب في جوع الأغنياء الطوعي , ليست الفكرة في ان تجوع , ولكن الفكرة في الوضعية التي يفرض فيها عليك أن تجوع .
لم يتحدث الكاتب عن الحقد الطبقي المستعر في قلب النادل ربما لأنه لم يعمل في هذه المهنة , وسأتحدث عنه أنا في موضع آخر
لكنه أشار ببراعة إلى ما سأسميه التفاضل في الوضاعة
ففي مطبخ تحت الأرض تبلغ درجة الحرارة فيه 110 فهرنهايت لا تزال الطبقية حاضرة , فالطباح يظن نفسه أفضل الجميع , والنادل يعتقد جازما في قلبه ولسانه أنه أفضل من غاسل الصحون , وغاسل الصحون يرى في قلبه أن كل هؤلاء أعدائه , والأهم هو محاولة كل طبقة من الطبقات الدنيا فصل نفسها عن الاقتراب ممنهم على ملامسة لها , فالنادل لا يمكن له الاقتراب ابدا من غاسل الصحون لأن هذا في نظره يسيء إلى بريستيجه ! مع أن كليهما في نظر معظم الناس واحد , مجرد عامل في فندق أو مطعم
على كل , الآذان على وشك أن ينطلق , ولذا سأترككم مع وعد بالعودة إلى الفكرة المهمة المتبقية والتي هي الصورة لدينا عن الغرب عموما وعن باريس ولندن خصوصا