Sunday, July 7, 2013

اقتباس حول الديموقراطية من كتاب هرطقات 1


"الديموقراطية هي في التحليل الأخير ثقافة ومنظومة قيم متضامنة. وفي مجتمع لم ينجز تحديثه المادي والفكري ولم يستكمل ثورته التعليمية فإن الموضع الأول لتظاهر الديموقراطية ليس في صناديق الاقتراع وحدها بل كذلك وربما أولاً في الرؤوس. فالديموقراطية لا يمكن أن تكون نظاماً فصاميا.

فهي لا يمكن أن تكون نظاماً للحكم بدون أن تكون نظاماً للمجتمع. وليس لها أن تسيِّر العلاقات بين الحكام والمحكومين بدون أن تسيّر العلاقات بين المحكومين أنفسهم. ومع أنها بالتعريف نظام للدولة فإنها بالجوهر نظام للمجتمع المدني. مع ذلك لا وجود لديموقراطية سياسية بحتة. فالديموقراطية هي بالأساس ظاهرة مجتمعية والمجتمع هو في المقام الأول نسيج من العقليات. ولئن تكن الحرية الديموقراطية تنتهي لا محالة إلى صندوق الاقتراع فإن الصندوق الأول الذي تنطلق منه وتختمر فيه هو جمجمة الرأس. وإن لم يتضامن صندوق الرأس مع صندوق الاقتراع فإن هذا الأخير لن يكون إلا معبراً إلى طغيان غالبية العدد. ولئن يكن الانتخاب أهم آليات الديموقراطية فإن الآلية الانتخابية نفسها غير قابلة للاشتغال دون زيت. وزيت الآلية الانتخابية للديموقراطية هو ثقافتها.

ولنملك الجرأة على أن نعترف: فلئن تكن الأنظمة العربية القائمة تقيم العثرات أمام الآلية الديموقراطية فإن المجتمعات العربية الراهنة تقيم العثرات أمام الثقافة الديموقراطية. فالأنظمة العربية لا تتحمل انتخاباً حراً ولكن المجتمعات العربية لا تتحمل رأياً حراً. ومجتمع يريد الديموقراطية في السياسة ولا يريدها في الفكر ولا على الأخص في الدين ولا بطبيعة الحال في العلاقات الجنسية هو مجتمع يستسهل الديموقراطية ويختزلها في آن معاً. ومن الاستسهال – كما من الاختزال – ما قتل