Sunday, September 5, 2010

الموت لهم

 اطفال يقفزون من جهة الى اخرى ,,,,,يلعبون ,,,,,,ياكلون 
اباء وامهات ياكلون ويتكلمون
والامر المشترك بينهم انهم جميعا يضحكون ,,,,,,يضحكون من القلب ,يضحكون وكان لا احد سواهم على وجه الارض .
اما ما خطر ببال الطفل محمد وهو يشاهد اعلان هذا المطعم فهو ان هؤلاء الاطفال نظيفون جدا ولابد انهم يستحمون كل اسبوع 
ينظر محمد الى ابيه بعينين فيما من البراءة بالقدر الذي يسمح به الفقر لطفل ولد وفي اليد اليمنى مكنسة وفي الاخرى حذاء ممزق  
ثم يعاود النظر الى التلفاز 
يكرر النظر الى ابيه مرة تلو الاخرى على امتداد الاعلان الذي لا ينفك التلفاز يكرره مرة تلو الاخرى 
مرة باتجاه ابيه ومرة باتجاه امه 
"هؤلاء السفلة ,,,,,,,الى متى سيفعلون بنا هذا ,,,,,,اللعنة على تلك اللحظة التي اشتريت بها هذا التلفاز اللعين "
يشعر وكان العالم يطبق على صدره ,,,,,,يتناول  لفافة تبغ ,,, فيكتشف انها الاخيرة ,,,,,,كان يدخرها لصباح اليوم التالي ,,,,,الا ان هذا الاعلان الذي ظهر على التلفاز او بالاحرى النظرات التي يرمقها به ابنه لم تدع له مجالا ,,,,,,,يعض على شفته السفلى  ويشد على يديه وهو يحاول كظم غيظه.
في تلك الليلة لم ينم  ابو محمد وبالطبع لم تنم زوجته على الرغم من تظاهرها بذلك 
سابيع التلفاز 
يقول لزوجته 
ولكنها تستمر بالتظاهر
اقول لك سابيع التلفاز اللعين 
تواصل التظاهر
"امراءة لعينة " 
يمل من محاولة الكلا معها ويعود الى بحر افكاره 
اه لو استطيع ان اخذ الاولاد الى ذلك المطعم ,,,,اذن لانتهت كل تلك النظرات 
لو اخذهم اليهم مرة اخرى فيحسون بانهم اطفال كبقية ابناء الناس 
لكن كيف ؟؟؟"
استمرت لامور على هذا النحو لايام عديدة ,,,,,في كل مساء ,,,,,الابناء ينظرون الى ابيهم الواحد تلو الاخر ,,,,,,نظرات تستدر الشفقة ودموع الرحمة  من الشيطان نفسه 
بينما الاب يواصل التفكير والتالم لهذا الحال 
جرب ان يضربهم  الا ان ذلك لم يحل بينهم وبين استجداء شفقته 
 يضربهم لانهم يطالبونه عبر نظراتهم تلك  ودون ان تنطق السنتهم بان يكونوا كبقية الاطفال  ولو لمرة واحدة ,,,,,يأكلون في مطعم محترم ,,,,,مرة واحدة 
يلعبون مع اطفال غاية في النظافة ,,,,,,ولو لمرة واحدة 
حاول ان يحرمهم من التلفاز,,,,,,اجبرهم على النوم ,,,,,فعل كا ما قادته اليه افكاره ,,,,الا انه لم يستطع حرمانهم من الامل بان يكونوا اطفالا 
وفي صباح  احد الايام قرر انه لابد وان ينتهي هذا العذاب اليومي ,,,,,,ببساطة لابد وان يرضخ  ويعطي اطفاله ما هو لهم اصلا 
هل اخبرهم بذلك ؟؟
لا لن افعل ولن اخبر حتى زوجتي ,,,,,فقد لا اتمكن من اخذهم الى هناك وبذلك  يزداد عدد تلك النظارت اللعينة
انطلق منذ الفجر ليعمل كما اعتاد منذ عشرين عاما او يزيد وعمله ببساطة كان جمع العلب المعدنية وقطع الحديد واي شيء يجده ملقى في الشوارع ويبيعه لقاء دراهم او قروش معدودات على الاصابع ,,,,,,العمل منهك جدا ,,,,,الاجر مؤلم جدا ,,,,,,واحترام الاخرين له مفقود جدا جدا 
البحث في مكبات النفايات وحاويات القمامة امر معتاد للغاية بل هو عمل يومي و  الحقيقة ان هذا الامر لم يعد يسبب له مشكلة منذ دهر طويل والرائحة باتت اعتيادية جدا كذلك  ولكن ما كان يؤلمه حقا او بالاحرى يغضبه جدا هو انه كان يعمل في مناطق علية القوم والاغنياء وابناء الذوات  وتمتاز مناطقهم بنظافة لا يحلم بها ,,,,,ولن يجرؤ على تخيل سكناه في منطقة فيها هذا المستوى من النظافة 
بينما المنطقة التي اختارها_ مجبرا بالطبع_ ليسكن فيها اولاده هي النقيض المعجمي للنظافة 
ولطالما تسائل في نفسه هل نحن مخلوقون من قذارة لنسكن القذارة بينما هم معجونون من نقود 
هل نحن من صلصال وهم من ذهب
وكثيرا ما تناول هو ورفاقه الطعام قادما مباشرة من تلك الحاويات 
ولمرات عديدة اخذ ما يجده الى البيت قائلا لابنائه انه اشتراه لهم 
العاب الاطفال 
طعام البيت 
هدايا للزوجة 
ثياب للعائلة  
اما ما كان يضحكه ويؤلمه في ان واحد هو اؤلئك الموظفون الذي تعينهم الدولة او يعينهم الاغنياء لمنع ابي محمد و"امثاله" من التنقيب في فضلات الاغنياء وحاوياتهم  ولطالما حدثت مشاجرات وملاحقات له بسبب هذا الامر ,,,,,اللعنة,,,,, حتى على القمامة يلاحقوننا ام انهم ربما يريدون فرض ضرائب عليها ,,,,,ربما
وبالطبع لم يكن اليوم استثناء في شيء اللهم الا في امر واحد وهو انه من المفروض به منذ اليوم ان يضاعف مجهوده ويضيف ساعات وساعات من البحث والتنقيب بحثا عن مزيد من  الاشياء التي يمكنه بيعها لتامين تلك الوجبة الترفية التي ياملها ابنائه .
اعتاد وزملائه على اخذ استراحة في احدى الساحات ,,,,,يجلسون لساعة او اقل يتحدثون ,,,,,,,يدخنون ,,وربما ان امكن تناولوا شيئا من الطعام اوربما فنجان قهوة صنع وبيع على عجل 
كان اولئك الرجال اصدقائه الوحيدين  فحاول ان يعرف منهم  تكلفة هذه المغامرة الرعناء التي ينوي القيام بها ,,,,وبالطبع كان ردة فعلهم اعتيادية تقليدية 
ضحكوا عليه حتى سقطوا على الارض وبكت عيونهم ,,,,,,,لم يستغرب الامر هو الاخر بل انهمك معهم في ضحك كالبكاء 
الا ان هذا الضحك لم يعن بحال من الاحوال ان الموضوع قد انتهى او ان الفكرة قد تلاشت من راسه  بما عزم على تحقيقه لابد وان يتم ,,,وبالفعل اخذ يسال الناي الذين يعرفهم ومن يخيل اليه انهم قد ذهبوا الى هذا المكان من قبل .
وفي نهاية اليوم وصل الى قناعة تقول انه ان اراد اخذ عائلته الى لابد له ان ينفق على الاقل  خمسة عشر دينارا  
خمسة عشر دينارا  ,,,,,,قد تكون مصروفا يوميا لاحد اولئك الاطفال  الذي ظهروا في الاعلان ,,,,لكنها كانت بالنسبة اليه اكثر من نصف الايجار الشهري للغرفة التي يقطنها وعائلته
طوال الطريق الى البيت كان امر واحد يشغل تفكيره ,,,,,الا وهو كيف ساواجه تلك النظرات القاتلة 
لكن ان لم يعد الى البيت فالى اين يذهب 
عقد العزم وبكل جوارحه على ان يحصل على تلك الدنانير ولو اضطر الى سرقتها 
وبدأ في اليوم التالي العمل بجهد مضاعف وبعزيمة لا تهدئ ولا تضعف على الوصول الى هدفه الوحيد 
المزيد من ساعات العمل ,,,,,,المزيد من العرق ,,,,,,,المزيد من الكدح,,,,,ووقود هذه القوة المفاجئة نظرات اطفال يحلمون بان ينالوا شيئا من الطفولة 
وبعد عدة ايام وبعد ان تصدعت الشوارع من عرق جبينه استطاع جمع المبلغ بل انه زاد عليه دينارا كاملا للاحتياط 
احضر عبوات العصير التي كان من المطلوب جمعها بالاعلان ولم يبق امامه الا ان يخبر ابنائه بان احلامهم على وشك الحدوث 
عاد الى البيت وانتظر ظهور الاعلان  و حالما شاهده الابناء بداوا وظيفتهم اليومية في النظر الى ابيهم 
هل انتهيتم من هذه النظرات ؟ 
ظن الابناء انهم على موعد مع الضرب هذه الليلة الا ان الاب بادرهم قائلا 
ما رايكم ان نذهب الى هذا المطعم يوم الجمعة القادم ؟
قفز الابناء فرحا وطربا لهذا الخبر السعيد وانهالت القبل على الاب ,,,الا ان محمد والذي هو اكبر سنا ضحك بشدة  لانه ظن الموضوع مجرد مزحة من ابيه 
ولم يصدق كل التطمينات التي اخبرتها به امه 
وخلال ايام الاسبوع التي سبقت اليوم المنشود ,,,,,,استغرق الابناء بالاحلام 
سنلبس ثياب العيد 
سنلعب ونضحك كما لم نفعل من قبل 
سناكل حتى نشبع 
لابد ان نستحم قبل ان نذهب 
بينما اصر محمد على ان لا يشاركهم هذه الاحلام ,,,,,,والا يصدق هذه المزحة التي يريد والده من خلالها التخلص من نظراتهم 
وحل اخيرا يوم الجمعة ومنذ الصباح الباكر استيقظ الاطفال ,,,,هذا على افتراض انهم قد ناموا اصلا ايقظوا والدتهم لتساعدهم على ارتداء ملابسهم 
لم ياكلوا عشائهم في الليلة السابقة وبالتاكيد هم لم يتنالوا الافطار ,,,,,,ببساطة لان الوجبات التي ظهرت في الاعلان كانت كبيرة جدا ولابد انها تشبع فيلا ضخما 
رفض محمد ان يرتدي ملابسه  الا بعد ان انهالت امه عليه بالضرب 
ربما كان قد تعود على الفقر وعيشته 
او ربما كان خائفا من خيبة ما 
نهض الاب من فراشه وارتدى ثيابا ارتداها في الاعياد الستة الاخيرة 
 وهي بذلك تكون حديثة جدا ولولا  هذه المناسبة لما خاطر بارتدائها 
وهنا وفي هذه اللحظة بالتحديد بدأ محمد يصدق ما كان يقال حوله منذ ايام 
خرجوا من البيت 
انتظرا الحافلة ساعة او اكثر 
لم يعن لهم الانتظار شيئا البتة ولو اضطروا للانتظار يوما كاملا لما ازعجهم ذلك في شيء 
اخيرا اقبلت الحافلة وصعدوا اليها جميعا 
وبعد مسير ساعة او اقل بقليل اوقف ابو محمد الحافلة ونزل وابنائه منها 
راوا العلامة الضخمة الدالة على المطعم ,,,,,,,ومن نافلة القول انهم فرحوا لذلك اكثر ما يمكن لطفل ان يفرح 
وركضوا باتجاه الباب الا ان والدهم طاليهم بالهدوء وان يظهروا وكانهم ياتون الى هذا المكان كل يوم 
دخلوا المكان ولم يكن فيه سواهم وبعض العاملين فيه 
توجه الاب باحراج بالغ لم يستطع اخفائه 
عفوا ,,,,,,هل المطعم مفتوح الان 
اجابه العامل الشاب نعم ولكننا لن نبدا البيع قبل ساعة 
هل نستيطيع الانتظار 
طبعا طبعا 
جلس الاب الى طاولة مع ابنائه بينما اخذوا هم ينظرون حولهم ناسين التمثيلية التي طالبهم الاب بادائها 
طلب الابناء من والدهم ان يسمح لهم باللعب الا ان مكان لعب الاطفال كان مغلقا ولا يفتح قبل ساعة هو الاخر 
مضت الساعة وكانها سنة وما كادت الساعة تنتهي حتى توجه الاب وحتى قبل ان يطلب منه ابنائه الى الموظف ليخبرهم عما يريد من طعام 
وبالطبع هذا الطعام لم يكن ليعرفه لولا الاعلان  وربما انه قد لفظ الاسم بشكل خاطئ لان الموظق قد ابتسم ابتسامة ساخرة بينما كان يأخذ الطلب 
بالطبع لم يعره ابو محمد اي انتباه لانه اليوم لم يكن ليسمح لحقير ما بان يعكر مزاجه او يسلبه فرحته بابنائه 
وبعد ان اخذ الموظف طلبه اخبره بالسعر الذي كان ثلاثين دينارا ,,,,,لم يتفاجأ ابو محمد بهذا السعر واخرج من الكيس الذي كان يحمله  مجموعة الزجاجات التي كان يحملها معها والخاصة بالعرض الذي لا يكف عن تنغيص حياته عبر الظهور كل يوم في التلفاز 
_ عفوا سيدي ولكن العرض انتهى 
_ نعم ؟
العرض انتهى 
تغير لون ابو محمد فجأة وغلا الدم في عروقه وود لو انه يلكمه على وجهه فيمحو هذه الابتسامة اللعينة عن وجهه 
لكن ؟؟؟؟؟,,,,,,,وسكت 
فكر ما الذي سيقوله لزوجته التي وعدها بان يجلب لها طعاما من المطعم هي الاخرى
 ما الذي سيقوله محمد الان
تذكر حذاء محمد المثقوب في عدة اماكن 
تذكر المريول الذي طلبته ابنته 
تذكر رسوم احمد الدراسية 
تذكر يدي زوجته المتشققتين
تذكر جبال النفايات التي سيصعدها غدا وبعده وبعده وبعده 
ومن ثم  انفجر في الضحك مرة اخرى 
يالي من احمق 
ما الذي جلبني الى هنا ؟ العالم لا يسير بهذا الشكل 
مكاننا حاويات القمامة وليس من المناسب لنا على الاطلاق ان ندخل مطعما فاخرا 
هذا ما يحدث لمن يستمع لاهواء الاطفال  ويكون طوع نزواتهم 
جمع ابنائه من حوله وقال لهم 
المطعم يرفض استقبالنا 
بادره الابناء بالسؤال لم ؟ 
لاننا فقراء 

No comments:

Post a Comment