Tuesday, May 24, 2011

قصة قصيرة ,,نوعا ما
هو يعلم جيدا ان النوم سيجافيه هذه الليلة ايضا بل لو انه كان من قبل بنام كما الاطفال فانه لن ينام الليلة , لماذا ؟ 
لأن هذا اليوم "التقليدي" في حياته شهد امرا غير عادي على الاطلاق 
فصديقنا الذي لم اخيركم باسمه الى الان استجمع كل ما في قلبه من شجاعة , وغامر بناء على نصيحتها هي او دعوني اقل بناء على اوامرها وتوسلاتها التي لا تنتهي , تجرأ صديقنا كما سبق واسلفت وذهب الى منطقة الدوار السابع , نزل من باص البيادر الذي كان قد صعد فيه من المجمع قبل حوالي الساعة , استجمع هندامه وتأكد من ان ثيابه المستاجرة لائقة بالشخصية التي يتوجه في هذه اللحظات التاريخية للقائها , وسار قرابة لاف متر نحو مكان عمل السيد عبدالله فراج .
مبنى شاهق جدا ,وكمية زجاج لم يسبق له ان رأى مثلها من قبل شكلت واجهة المبنى حتى اصبح مرأة عملاقة , تأكد مجددا من ان مظهره لائق ,وبان مظهره لا يوحي بأن هذه البزة مستأجرة او انها المرة الاولى التي يرتدي فيها بزة رسمية منذ 22 وعشرين عاما هي عمره .
بلع ريقه , واستجمع نثار شجاعته , قرأ كل ما يحفظ من القران ,عيناه كادتا تفضحان ما يعتلج في صدره عندما قررتا فجأة ان تدمعا ,لكنه استجمع شتات نفسه وبمنديل ورقي مسح المقلتين حتى عادت عيونه جافة تماما , ,نظرة اخيرة في واجهة المبنى "المراة " لن تضر : الحذاء اسود لامع , اثار المكواة على البنطال جعلته حادا كالسيف , واليد الموضوعة في جيب البنطال اجبرت البواب على الوقوف احتراما كما يفعل جندي امام رئيسه , وكمن اعتاد الدخول الى هذا النوع من الاماكن يدخل صديقنا دون ان يلقي على البواب المرحب به اي نظرة, يدخل  وهالة من الثقة الكاذبة بالنفس تحيط به , ولو ان البواب او ايا من الموظفين اقترب منه لافتضح امره ولاستمع بكل وضوح الى قلبه وهو يصرخ ويستغيث :اين اتيت بنا ايها الاحمق ؟ 
لكن صديقنا اليوم وعلى غير العادة لا يأبه بكل الافكار التي تعبث في صدره ولا بصيحات "اعرف من انت " التي تبرز له على لسان قلبه , اليوم ولاجلها سيفعل ما يجب عليه فعله , اليوم وعلى غير العادة سيكون شجاعا مقداما كله ثقة ,والى الان تسير الامور على افضل وجه , ولو حدث وتمت المهمة بنجاح فإنه لا شك سيحصل على جائزة الاوسكار بجدارة
ضغط على زر المصعد وانتظره متململا حتى وصل , صعد اليه وضغط على زر الطابق الاخير حيث كانت عبير قد اخبرته ان والدها "صاحب الشركة "يعمل .
وبمجرد اغلاق باب المصعد خلفه ,عادت دقات قلبه الى الصراخ وراودته الافكار المريعة مرة اخرى : سيستدعي لك الامن ,لاشك في ذلك وربما تحبس ؟؟؟هل تستحق عبير ان افعل لأجلها كل هذا ؟؟ يالي من غبي اذ اسمح لنفسي ان  تفكر بهكذا سؤال غبي ؟ انها عبير , تلك الفتاة التي احبها منذ ان كنت في الخامسة عشر من عمري , مذ كان والدي يعمل في حديقة بيتهم , انه الحب اللعين  ايها القلب . 
ومرة اخرى يستجمع شتات نفسه ويستعيد معها الهئية الواثقة المطمئنة 
يفتح باب المصعد , يأخذ نفسا عميقا ويخرجه مخرجا معه كل الهموم والافكار التي من شأنها ان تعيقه عن اداء مهمته التاريخية 
يتوجه الى مكتب السكرتارية , فتاة جميلة بشعر اسود كالليل ووجه كالبدر ضياءا , وشفتين مرسومتان بقلم فنان , وعينان لا يدري ان كان هذا هو لونهما الاصلي ام ان هذا اللون الاخضر لون زائف , وولتكن ما شاء له الكون ان تكون ,هي اية في الجمال, وعلى الرغم من هذا الجمال كله وعلى الرغم كذلك من الابتسامة التي رسمتها على وجهها لحظة رأته " ابتسامة لا يدري هل قامت بها لان الواجب يفرض عليها ان تبتسم , او انها ابتسمت له هو ,على الرغم من هذا كله الا انه كان في شغل عن التفكير بحسنها وجمالها فلطالما ردد على عبير ذلك المقطع الشهير من اغنية كاظم التي يتغنى فيها بجمال بغداد : هي اجمل من كل جميلة " وانت يا عبير"ي" اجمل من اي جميلة .
صدره الى الامام , انفه في السماء تكبرا  , ودون عبارة عفوا ولا عبارة لو سمحتِ اخبرها عمن يكون وقبل ان يكمل كلامه نهضت من مكانها مرحبة به وطلبت منه بكل ما لديها من عبارات الرجاء ان يتلطف ويتعطف عليها بالانتظار قليلا ريثما تعلم المدير المنََظِر  بقدومه .
دقيقة واحدة فقط ويدخل على المدير , ويقابله هذا الأخير مؤهلا مرحبا مع ابتسامة عريضة تشغل حيزا هائلا من وجهه ,بينما يستمر مسلسل التعالي الذي يظهره صديقنا فيحرك شفتيه فيما بدا للمدير وكانها ابتسامة , وبعد كثير من السؤال حول الحال والاحوال والاهل والاعمال وحرصا من صديقنا على وقته " كما قال للمدير " طلب منه الدخول الى الموضوع فقال له المدير تفضل 
_ بما انك تعرف والدي وتعرف من انا وكذلك تعرف سمعتنا في السوق بل وعلى مستوى الدولة كلها فسأتشجع واخبرك بالسبب الذي زرتك لاجله اليوم 
ويستمر المدير في الاستماع دونما مقاطعة 
_ الحقيقة انني ادرس مع ابنتك عبير في ذات الجامعة وقد اعجبتني واعجبتها "في هذه اللحظات علا صوت حفقان قلبه حتى بات يشك ان كل عضلة تتحرك في وجه مديره هي علامة استنكار لما يقول بل لو انه نهض وضربه لما اثار هذا الامر استغرابه " وبما انني اعلم انها ابنتك الوحيدة واعلم جيدا كم تخاف عليها وعلى مستقبلها فانني اردت ان اتي البيت من بابه واخبرك عن رغبتي في خطبة ابنتك لتكون شريكة حياتي .
لو استطاع الاب التصفيق لما توانى عن ذلك , فهذه فرصة العمر بالنسبة له ولابنته ,فأي اب يرجو لابنته زيجة افضل من هذه  لكنه في الوقت ذاته لا يجب ان يبدو وكأنه مستعجل على هذا الامر :الحقيقة يا بني ان سمعة والدك معروفة بطيبها ونقائها والحقيقة انني عندما اخبرتني السكرتارية انك قد طلبت لقائي ظننت ان من الممكن ان يكون الموضوع مجرد تشابه اسماء لا اكثر " يبتلع صديقنا ريقه وترتفع حرارته وينقبض قلبه " 
والحقيقة انني لو اردت البحث لابنتي عن عريس فلن اجد لها افضل منك حسبا ونسبا ,ولكنني مع ذلك يجب ان اقوم بالسؤال عنك ,هكذا تقول التقاليد 
_لكن هنالك مشكلة واحدة يا عمي " ارجو ان تسمح لي ان اناديك عمي 
طبعا طبعا 
المشكلة يا عمي ان والدي مصر على ان لا اتزوج بل انه مصر على ان لا افتح معه الموضوع اطلاقا الا عقب انهائي لدراستي الجامعية 
_عين العقل 
_نعم نعم ولكن انا حالي ليس كحال عبير 
وقبل ان يبادره المدير بالسؤال يرن الهاتف النقال وتكون النغمة الموضوعة للاتصال هي واحدة من اشهر السيمفونيات العالمية ,يستأذن صديقنا ويجيب ويبدأ حوارا مع الطرف الاخر من المكالمة : هل ارتفعت الاسهم ؟؟؟ "
حسنا جميل الان عليك ان تبيع , لا لا تنتظر , نعم نعم بع الان , وبالنسبة للاجتماع فيبدو انني ساتأخر قليلا فخذ الجماعة الى الغداء وانا سألتحق بكم , انا في اجتماع الان ومضطر للاقفال , ساتحدث معك لاحقا " 
يعتذر صديقنا عن طول المكالمة "المفاجئة !!!؟
ما الذي تعنيه؟
عبير ستتخرج من الجامعة مع نهاية هذا الفصل اما انا فباقي في دراستي سنتان على الاقل 
اولست وعبير في نفس الدفعة ؟ 
نعم , ولكن لابد انك تذكر ان والدي قد مرض قبل مدة واضطررت الى الاعتناء به والاهتمام بإدارة الشركة في غيابه 
_ هكذا الابناء والا فلا 
_شكرا عماه , وكما قلت لك باق على دراستي في الجامعة عامان اثنان فقط وبعدها استطيع ان اتي وعائلتي لطلب يد ابنتك رسميا ,اما الان فلا استطيع حتى ان اخطبها او ان افاتح والدي في الموضوع 
_ونعم الرأي من والدك , وانا اتفهم رغبتك في القدوم لرؤيتي واقدرها كثيرا , ولكنني احتاج الى وقت للتفكير وسأرد لك الجواب قريبا 
_وهو كذلك 
ويستأذن صديقنا ويخرج من المبنى كما دخله واثق الخطى , وبمجرد ابتعاده عن المبنى يطلق ضحكة من ذلك النوع الذي يجبر المارة على النظر اليه شزرا  , لكن نظراتهم لا تعنيه على الاطلاق ولا تهمه , فالمهمة التي كان قد خطط لها وعبير نجحت ,بل ان ما حدث فاق توقاتعهما لا شك في ذلك ,يخرج هتافه النقال الذي كان قد استعاره من احد الاصدقاء الاثرياء وتلعم كيف يستعمله بصعوبة ويتصل بعبير ويخبرها بما حدث منذ صعد في الباص الى هذه اللحظة لتطلق هي الاخرى ضحكة من ذات النوع , وبمجرد انتهاء المكالمة يوقف الباص ويركب فيه .
ما كل هذه الحماقة التي ارتكبها اليوم ؟ وكيف استطاعت عبير ان تضع خطة بهذه البراعة ؟ كيف تذكرت انني وابن ذلك الثري نملك نفس الاسم ؟ وكيف اتتها الجرأة لتمكنني من الكذب على والدها ؟ هل تحبني لتلك الدرجة ام ان في الموضوع سرا ؟ 
كل هذه التساؤلات كانت امامه لكن ما كسر مسلسل التساؤلات هو تذكره للمكالمة المزيفة التي اجراها , فالطرف الثاني من الخط لم يكن  سوى عبير تردد عليه اغنية يحبها فيما ظن الوالد المخدوع ان صديقنا كان يدير الشركة عبر الهاتف النقال . 
وطوال الليل كان السؤال الذي غزا عقله هو : لو لم ادخل عليه بكل هذه الاكاذيب , لو اخبرته من اكون , لو اخبرته انني تخرجت من الجامعة لكنني بحاجة الى بعض الوقت كي اكون نفسي , كي اتمكن من توفير شقة في مكان لائق واثاث يليق نوع ما بابنة المليونير الذي قادني القدر الى حب ابنته . لو دخلت عليه بأفضل ثيابي على الاطلاق , هل كان سيتملقني كما فعل اليوم , لو كان اسمي مغايرا لهذا الاسم , لو لم يظن انني ابن ذلك الثري هل كان سيقبل استضافتي في مكتبه ؟ هل كان سيصافحني واقفا ؟ 
لا اظن