Saturday, April 16, 2011

اخلاق المحنة ,واخلاق الغضب

 منذ بضعة ايام وبينما كنت متوجها الى العمل حصل امامي موقف لم يستفزني فقط , بل واثار في من الحيرة بالقدر الذي منحني من الغضب ,  فبينما كنت انتظر سيارة الاجرة "السرفيس " لتقلني انا وبقية المنتظرين في الطابور "نعم صرنا نقف في الطابور ولله الحمد " الى مجمع رغدان , جائت سيارة سرفيس مسرعة جدا من خارج الخط واصطدمت على الدوار بشاحنة صغيرة " عربة نص نقل " وللغرابة لم يحدث اي شيء للسرفيس بينما انقلبت العربة "نص نقل " على جانبها , وخلال عشر ثوان  ,عشر ثوان فقط ,كانت عشرات السيارات قد توقفت على الدوار ليس بسبب الازدحام كما قد يظن البعض , بل لإنقاذ ركاب عربة النص نقل والتي لم يكن فيها سوى شاب انجاه الله عز وجل من الحادث ولم يصب حتى برضوض , على الرغم من مشهد الحادث الموحي بغير هذا .
المشهد لم يكن رائعا فقط بل خرافيا , ولم يسبق لي ان رأيته من قبل "للأسف " لاكتشف في شعبي عظمة وشهامة كنت ويالسوء ظني  ظننتها انقرضت من بني جيلي ولم يعد لها وجود الا في كتب المدرسة ممزقة الغلاف , تَسَاعد الناس مع بعضهم واخرجوا سائق الشاحنة خلال ثوان كما سبق وقلت ولم يبال احد منهم بأن يدوس احد المنقذين على مقدمة سيارته او ان يلوثها بحذائه فالحياة البشرية اهم بالنسبة له  واغلى .
انتهى الحادث على خير ولله الحمد واطمأن الرجال الرجال على ان السائق بخير وكذلك فعلوا مع سائق "السرفيس " ومضى كل واحد من اولئك الابطال الذين سيظلون مجهولين الى سيارته 
والى هنا الموقف جميل ورائع ومدعاة لان تفخَر بأن هؤلاء هم ابناء بلدك 
وما هي الا لحظات حتى رأيت ما اجبرني على الشك في سلامة عيني , وصحة اذني , و وجود عقلي من عدمه فبمجرد ان جلس السائقون في مقاعدهم وشغلوا سياراتهم " بالطبع لا احد يستعمل حزام الامان على الرغم من ان حزام الامان قد يكون  هو ما انقذ سائق الشاحنة منذ لحظات " ما ان شغلوا سياراتهم حتى تعالت وبشكل هستيري اصوات ابواق السيارات في محاولة لفتح الطريق العالق بسبب كثرة السيارات المتوقفة اما للمشاهدة او للمساعدة ,,, ولو توقف الامر عند هذا الحد لبقيتُ صامتاً ولظلت الصفحة التي اكتب عليها بيضاء ناصعة ,,,لكن لا,,, ثوان اضافية وتحولت اصوات ابواق السيارات المزعجة الى الحان مؤلمة : شتائم من العيار الثقيل اطلقها السائقون على بعضهم البعض ولولا الله ثم تدخل رجال البحث الجنائي " كما اظن " لتحول الامر الى عراك في الايدي بعد ان كان في الالسن .
اعلم جيدا ان ما اخبرتكم به اغرب من الخيال ,لكنها الحقيقة للاسف  
فكيف بإمكاننا كبشر ان نتحول من النقيض الى النقيض وبهذه السرعة الفائقة , كيف بإمكاننا ان نخلع قناعا ونرتدي غيره دون ان تتبدل ملامحنا ؟ 
ما حدث امامي ايها السادة هو ان أجمل اخلاق الاردنيين ظهرت في المحنة , ظهرت الرجولة والشجاعة والشهامة العربية الاصيلة , ظهرت يوم ان احتاجها الشقيق , لحظة نادت الرجولة لبى الاردنيون سراعا .
ثم ما الذي حدث ؟؟
ما ان انتهى الموقف الطارئ حتى زالت الاخلاق "الطارئة " ...هل يجوز لي ان اقول هذا الكلام ؟؟ 
لثوان او ربما لدقائق تحولنا الى ملائكة ,,,وما لبثنا بعدها ان تحولنا شياطينا 
لست اجرؤ على ان اطالب بالمدينة الفاضلة ولا اطالب بان نكون ملائكة لاربعة وعشرين ساعة في اليوم , لكنني كذلك امل الا نتحول في اللحظات العادية او في لحظات الاستفزاز الى شياطين 
من الطبيعي بالنسبة لي ان تظهر معادننا الاصيلة في لحظات الشدة , لكن هذا لا يبيح لنا ان نظهر اسوأ اخلاقنا الدفينة عندما نغضب 
نرقص ونغني لمنتخبنا في كل محفل من محافل اللعبة , وما ان يلعب ذات اللاعبون في مباراة القطبين "الوحدات والفيصلي "  حتى نبدأ بشتم بعضنا البعض وامور اخرى اخجل من ذكرها 
نتمطى في الفراش صباحا لساعات ونحن نراود انفسنا بالذهاب الى العمل من عدمه , مستعدون للوقوف في مسيرات او مظاهرات لساعات وساعات , نذهب الى مباراة الوحدات والفيصلي قبل ساعات تكفي لأن نقرأ فيها كتابا , لكننا نصاب بجنون "التزمير " لدى  تحول الاشارة الضوئية من اللون الاحمر الى اللون الاخضر وكأننا في سباق "الفورميلا وان " .
يحدث شجار "غبي " لان شخصا نظر الى شخص بطريقة لم تعجبه , وفي ذات الوقت  ما ان تبدأ حملة للتبرع "ولو بالعيون " حتى ترى الاردنيين "حتى اولئك المتخاصمين "يفدون بعضهم البعض بالارواح 
سلوكيات بسيطة , لا يلقي لها الكثيرون بالا , لكنها صدقوني تشي بالكثير 

وفي النهاية اكرر ليس علينا ان نكون شياطينا عندما لا نكون ملائكة