Thursday, September 15, 2011

مراجعة لرواية الطنطورية


كنت اعتزم بدأ ما اكتبه هنا  ناعتا  جلسة مناقشة رواية الطنطورية مع اصدقائي الانكتابيين بوصف الجلسة بالمتميزة , لكن وبعد قليل من التفكير وجدت ان هذه العبارة ليست دقيقة ولا منصفة ابدا , فأي جلسة انكتابية لم تكن مميزة ؟؟ لا استطيع تذكر جلسة واحدة خرجت منها مستاءً او على الاقل بمشاعر حيادية . يكفي ان يجتمع الانكتابيون واراهم يتكلمون ويناقشون باحترام متبادل وباستماع وانصات حتى احس بانني وكما سبق وذكرت اكثر ثراء من ذي قبل , لانني املك اصدقاء على هذه الهيئة من اللطف والثقافة .
ولذا وبعد هذه الاشادة "الضروية " اقول انني كنت في يوم الثالث عشر من ايلول في جلسة انكتابية مختلفة بعض الشيء عن سابقاتها , لا لاننا استضفنا مؤلفة الرواية , او لان كتبا ما تم توزيعها "كما حدث بجلسة الهويات القاتلة" , بل لأننا كنا ضيوفا على واحد من اعرق نوادي القراءة في الاردن , نادي صديقات الكتاب وما اضفته الامهات الفاضلات الى جلسة المناقشة من ود وحميمية , وما اثريننا به عندما تكلمن عن تجربتهن في نوادي القراءة على مدى عقود .
وبالنسبة للمراجعة التي اقوم بها الان فينبغي بداية ان انوه الى انني في السطور القادمة لن اكتب افكاري فقط , بل ساحاول الاستعانة بأفكار غيري ممن تحدثوا في الجلسة , الامر الذي يجعل ما اكتبه هنا كيانا قائما بين المراجعة الذاتية والجماعية , وكلي امل ان اوفق في الامر وسأرتب النقاط لا حسب اهميتها , بل حسب الطريقة التي تغزو بها رأسي .
الطنطورية
رواية للاديبة المصرية رضوى عاشور "زوجة الاديب الفلسطيني مريد البرغوثي , ووالدة الشاعر الفلسطيني المصري تميم البرغوثي " تقع الرواية في حوالي ال400 صفحة او تزيد قليلا , والرواية في منحاها العام سيرة ذاتية تكتبها بطلة الرواية رقية والتي ولدت في قرية الطنطورة قرب مدينة حيفا في فلسطين المحتلة , وتعاصر البطلة رقية النكبة والتهجير الذي تعرض له شعبها والنكسة وما تلا ذلك من ماس عانى " ولا زال" منها الشعب الفلسطيني خصوصا والعرب عموما .

وربما كان من سوء حظ الرواية اننا قراناها بعد رواية عزازيل " والتي ارى شخصيا انها افضل ما قرات منذ زمن طويل " فكان الفارق واضحا جليا , وكان الذهن مشغولا وملزما ربما بعقد مقارنة غير عادلة بين الروايتين , مقارنة للغة المستعملة , و لطريقة السرد , وللقدرة على اثارة القارئ , وربما من وجهة نظر البعض لجنس المؤلف والبطل الراوي .
بالنسبة لي ارى ان السؤالين الذين يجب علينا ان نحاول الاجابة عنهما هما : من هو الجمهور المستهدف من الرواية ؟ وثانيا لماذا كتبت الرواية ؟
واجابة للسؤال الاول " من وجهة نظري طبعا " اقول انه ان كان الجمهور المستهدف للرواية هو عموم الشعب المصري "نظرا لجنسية المؤلفة " او عموم الشعب العربي باستثناء بلاد الشام " حيث تدور معظم احداث الرواية " فان الراوية في تلك الحال قد نجحت والى حد كبير في ايصال فكرتها , ونجحت تماما في توصيف شيء ما من المعاناة الفلسطينية
اما ان كان جمهور الرواية عاما شاملا , او لا سمح الله كان جمهور الرواية هم الفلسطينييون واهل الشام ,فأرى ان الراوية لم توفق على الاطلاق , ببساطة لان المعاناة الفلسطينية اكثر ايلاما ومأساوية مما تم وصفه في الرواية بعشرات المرات ,والقصة الفلسطينية فيها من الحزن والدموع والوجع اليومي اللامنتهي اكثر من هذا بكثير .
وربما يمكن القول كحل وسط ان الرواية هي نقطة بداية جيدة ومفيدة لمن لم يسبق ان قرأ تاريخ فلسطين , او انه يريد تلخيصا سريعا لتاريخ الفلسطينيين و"معاناتهم " منذ النكبة والى الانتفاضة الثانية .
اما السؤال الثاني والذي كان متعلقا بفكرة لماذا كٌتِبَت الرواية ؟
فيحلو لي ان اظن انها محاولة من الكاتبة العزيزة للدفاع بطريقة ما عن البرجوازية الفلسطينية او الطبقة الميسورة ان شئتم والتي يتم اتهامها "ظلما" بالخيانة او انها في افضل الاحوال ليست على اتصال مباشر مع هموم الشعب الفلسطيني اليومية , على اعتبار ان المال وطن .
فهذا الابن صادق والذي نال من الثراء ما نال يقود بدفع ربع ثروته من اجل مقاضاة الكيان الصهيوني في المحاكم الدولية , الامر الذي بدا وقتها كفكرة جنونية جمقاء ,بل انها كانت تبدو كاضاعة متعمدة للوقت وللجهد وللمال
ارادت المؤلفة ان تقول ان النقود او الثراء لا تغني كلها عن الوطن , ولو كثرت .

وربما يكون التدليل على هذا الكلام هو وضع عائلة رقية قبل النكبة , بل ووضعها بعدها , وكيف كانت تتنقل الى الامكنة التي تريد باستثناء الوطن طبعا , الامر الذي لم يكن متاحا للغالبية العظمى من اللاجئين .

اما الامر الاخر الذي تم طرحه خلال جلسة النقاش فهو فكرة المثالية المفرطة
فقد لاحظ البعض " واقتنعت بالفكرة" ان الرواية كانت مناصرة لفكرة ملائكية الشعب الفلسطيني , او انها بكلمات صاحبة الفكرة"ميساء "  كانت منحازة الى الشعب الفلسطيني , فمثلا لم تظهر موضوع الخونة الا في موضع او موضعين من الكتاب , كما انها لم تشر بشكل كاف الى كارثية الانقسامات التي كانت تشهدها الساحة الفلسطينية وعلى الاخص ساحة الثورة .
كما اعجبت بما اشار اليه "خليل وهاب " عن اجادة الكاتبة لوصف الخوف واثره على الانسان والمجتمع , وقد كنت قرات في مكان ما ان احد الاسباب التي كانت مسهلة للنكبة وحدوثها هو رواج الشائعات المرعبة في صفوف الفلسطينيين عن المجازر التي تم ارتكابها بحق اخوانهم في بعض القرى , وقد كان لمجزرة دير ياسين بالتحديد الحظ الاوفر  في ذلك ,خاصة وان القصة عندما كانت تروى كان يصاحبها مبالغات في بعض الاحيان , و ارعاب غير متعمد في كثير من الاحيان .

ربما يكون انجح ما اجابت عنه الرواية هو سؤال : كيف اقاوم ؟
كيف اقاوم الان ولم يعد هنالك من ثورة ؟ كيف اقاوم الان ولا سلاح في اليد ولا حتى على الشجرة ؟
اجابت الرواية عن هذا السؤال من خلال الذكر المقصود والمتكرر لعظمة وروعة واهمية شهيد الكاركاتير الفلسطيني الراحل العظيم ناجي العلي .
اجابت الرواية على سؤال كيف اقاوم من خلال الاشارة الى تلك المجزرة التاريخية الثقافية التي كانت تحدث تزامنا مع مجزرة صبرا وشاتيلا , واعني هنا ما حدث لمركز الدراسات الفلسطينية من نهب وسلب وحرق ,  بل وما لحق ذلك من اهمال لما امكن استعادته .
ارادت الراوية ان تقول : ان كنتم غير قادرين لسبب او لاخر على قتال العدو الصهيوني بالنار والبارود فانتم قادرون كما قدر ابني عبد  على اذلاله في ساحات اخرى , ولا عذر لكم ان تقاعستم .

المفتاح
هل سيتمكن انسان ما من قراءة الرواية دون ان يتوقف طويلا عند المفتاح ؟؟ ورمزيته القاتلة الموجعة , المفتاح تاريخنا , المفتاح وجعنا الشخصي , والمنا الجمعي , المفتاح من الجدة يورث الى الابنة الى الحفيدة , المفتاح بوصلتنا .
 فليفعل السياسيون ما شاؤوا وليتنازلوا كما شاؤوا  , ولنهزم في معارك البنادق كما يختار لنا قدرنا , لكن المفتاح من رقابنا لن ينزع , المفتاح باق ما بقيت فلسطين في قلوب ابنائها , هذا ما قالته رضوى , هذا ما قالته رقية , هذا ما قالته فلسطين .

صبرا
ربما ان اكثر ما اغضبني من الرواية هو المرور " غير الكريم " على هذا الحدث الفارق  لا في تاريخ لبنان وفلسطين فقط , بل وفي تاريخ العالم اجمع , انها صبرا ايها السادة
صبرا حيث تم ذبحنا , صبرا حيث صمتت العروبة ولم تنبس ببنت شفة , صبرا حيث قتل عفوا , حيث ذبح , عفوا حيث ابيد ثلاثة الاف فلسطيني ولبناني اعزل , بغير جريمة اقترفوها سوى انهم فلسطينييون , سوى انهم تواجدوا امام فوهات الرشاشات وحد السكين .
صبرا لا يجوز ان تمر عليها الرواية هكذا , صبرا التي لم يعاقب مجرموها , صبرا الوحع الابدي . صبرا التي لم يبك شهدائها احد . صبرا التي انكرتها العروبة وكانها ابنة خرجت على امر القبيلة ,صبرا التي رأيناها توؤد فصمتنا وادرنا لها ظهورنا .

كيف لا اغضب على الكاتبة وقد تزامنت مناقشتنا للرواية مع اقتراب ذكرى حصولها

هذا ما تذكرته عن الرواية وعن جلسة نقاشها , والتي كانت كما العادة ممتعة زاخرة بالاراء والافكار المتنوعة .
شكرا انكتاب , وشكرا لنادي صديقات الكتاب , شكرا لرضوى ورقية .
وشكرا جزيلا ايها الانكتابيون .

No comments:

Post a Comment