Saturday, January 21, 2012

لطمية رقم واحد

 خلال الايام القليلة الماضية ظلت بعض الاسئلة الوجودية تحتل كياني , اسئلة من قبيل ما هي الجدوى من وجودنا في هذا العالم , هل نستحق الحياة فعلا , وهي يستحق هذا العالم ان نعيش فيه ؟ اسئلة وحيرة لها مسبباتها , وخلفها ما خلفها من الاوجاع وبوادر الاكتئاب اللعين 
على كل 
بالامس كنت اشاهد فيلما بعنوان 
beyond borders 
للرائعة انجلينا جولي , وسأذكر سبب روعتها لاحقا 
المهم في الفيلم  تتاثر انجلينا بموقف طبيب "طائش " يقتحم حفلا خيريا في لندن _ على ما اظن _ وبيده طفل احضره معه من افريقيا , ليدلل لهم على حجم المأساة الحادثة في اثيوبيا, وانه ان لم يتحرك علية القوم هؤلاء لانقاذ اولئك الاطفال فان مصيرهم المحتم هو الموت , المهم ان انجلينا تترك بريطانيا متوجهة بقافلة مساعدات الى اثيوبيا  لتنقذ ما تستطيع انقاذه 
وبعيدا عن مشاهد المأساة التي اوجعت بقايا انسانيتي , وبعيدا عن مشهد الموت المتربص بالاطفال والفقراء , تذكرت كلمة سمعتها من احد اصدقائي وهي كلمة ان فلان مبدأي , عندما سألته عن معناها اخبرني ما معناه انه هذه الكلمة تعني انه وعند حصول شيء ما يستفز مبادئ الانسان موضع الحديث فانه يبادر مباشرة الى الانخراط فيه , فمثلا عندما حصل الغزو الصهيوني لبيروت بادر العشرات بل والمئات من فلسطيني الخارج والداخل , وكذلك المئات من العرب ومن غير العرب بالتوجه فورا الى بيروت , على الرغم من ان المعركة كانت محسومة منذ البداية _ من وجهة نظر عسكرية _ الا ان هؤلاء جميعا او في معظمهم اشخاص مبدئيون , وحيث تكون قضيتهم يكونون , وحيث يجب عليهم ان يناضلوا , تراهم  , وهكذا كانت انجلينا في الفيلم , وهي ايضا كذلك _ تقريبا _ في الواقع 

اسوق هذه المقدمة لاتكلم على ما يحدث حولي , فهذه الايام التي كان يفترض بها ان مقدسة , هي الايام التي تقترب فيها الذكرى الاولى للثورة المصرية الباسلة , الثورة التي الهمت العالم كله , , وكان يفترض ان تقام للثورة احتفالات تليق بحجم ما ضحى به الشهداء واهلوهم , لكن المشكلة ان الثورة وعلى الرغم من كونها مستمرة الا انها تتراجع الى الخلف , بسرعة , وتحالف الاسلاميين مع العسكر تزادا حلقاته قوة , وفوق هذا وذاك يبدو ان الاعلام لا زال يمارس عهره التقليدي , لا بل ان عهره قد زاد الان وباتت الامور تسير من سيء الى اسوأ 
هذا في الشان المصري اما في الشان الفلسطيني , فالامور انكى وامر, فقد قررت اللجنة المكلفة باعداد مشروع "اصلاح" منظمة التحرير باستثناء اللاجئين الفلسطينيين في الاردن  من التصويت في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني , ولمن لا يعلم فالمجلس الوطني الفلسطيني هو المجلس التشريعي للمنظمة وهو صاحب السلطة الاعلى _ او هكذا يفترض على الاقل _ واول ما تبادر الى ذهني منذ سماعي لهذا الهراء هو التالي : ان لم يكن هذا هو الوطن البديل فما هو الوطن البديل يا ترى ؟؟ 
لا مانع عندي من عدم تصويتنا كفلسطينيين اردينيين في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني او في انتخابات الرئاسة الفلسطينية , فهذا شان داخلي لا يفترض به ان يؤثر على مسيرة قضيتنا وعلى شكل نضالنا _ الحديث هنا بشكل نظري 
لكن ان يتم استثناء ملايين الفلسطينيين انتخابات منظمة التحرير التي هي كما قال احد مؤسسيها الوطن المعنوي للفلسطينيين فهذا هو التهريج بعينه 
لا ادري اي صفقة لعينة هي التي عقدتها السلطة الوطنية الفلسطينية مع السلطة الاردنية , خاصة في ظل محادثات عمّان , لكن ما افهمه هو التالي : ليس من حق اكبر راس ان يوقع وثيقة استسلام لاسرائيل , هذا ما قاله ناجي العلي قديما , وانا اقول اليوم ليس من حق اكبر رأس ان يسلبني فلسطينيتي 
هذا الكلام دعاني للتفكير مجددا ومطولا في موضوع منظمة التحرير الفلسطينية , وكنبذة تاريخية اقول ان المنظمة قد اسستها الانظمة العربية ليس حبا في فلسطين وشعبها وانما من اجل تسهيل مهمتها في التجارة بفلسطين وقضيتها , ولكن الشعب الفلسطيني وعبر نضالات متواصلة في شتى انحاء العالم , استطاع انتزاع قراره الوطني المستقل من براثن الانظمة العربية , وبات للمنظمة قرار وطني نابع من المصلحة الوطنية العليا التي تتقاطع مع المصلحة العربية على اعتبار ان فلسطين هي قضية العرب الاولى , وان الهجمة الصهيونية الاستعمارية على فلسطين انما هي في جزء منها هجوم على الامة ووحدتها ومقدراتها , المنظمة وعبر الاف الشهداء استطاعت الحفاظ على القضية الفلسطينية من ان تتحول الى قضية لاجئين , او ان تصبح قضية حقوق انسانية  بالمعنى القبيح للكلمة , فاستحقت المنظمة عبر تلاحمها مع شعبها ان تكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني , لكن هذه الشرعية تسقط عن المنظمة عندما تتخلى قيادات هذه المنظمة عن الثوابت 
الثوابت التي على رأسها حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى اراضيهم التي اقتلعوا منها , او على الاقل الى الاراضي المحررة من الاحتلال الصهيوني 
وهذا القرار الذي نتحدث عنه ينسف الثوابت من اساسها ويجعل دم عشرات الالاف الذين سقطوا في معارك المنظمة مع العدو الصهيوني دماء رخيصة ذهبت سدى بلا طائل , دماء كان من الممكن لها الا تراق لو ان المنظمة وقتها وافقت على ما يتم طرحه الان , لكن المنظمة وقتها كانت تعلم ان هذه الحلول "الغبية " وان هذه الاعذار الوهمية الواهية , انما هي تفريط , وكانت تعلم  جيدا طبيعة الصراع مع العدو , وانه لو اعطي شبرا فسيطلب ميلا , ولو ان العرب وافقوا له على ما اراد لما توقف عند حدع وانما كان سيطالب بالمزيد , فهذا جزء من التكوين والتربية الصهيونية , وهذا هو ما تحدث عنه مناحيم بيغن اذ قال : حدود دولة اسرائيل حيث تصل اقدام جنودها 
وكما ان التاريخ لم يرحم ولن يرحم اجدادنا الذين كانوا على قيد الحياة في 1947 يوم صدر قرار التقسيم , فلا اظن ان التاريخ سيرفق بنا وهو يرانا ننظر الى شعب فلسطين وفلسطينيته تنزع عنه  بجرة قلم من قيادة فاقدة للشرعية 
التاريخ لن يرحمنا , واولادنا واحفادنا  سيلعنونا , كما ستلعننا الجغرافيا , وكما ستلعننا القبور التي ستضمنا ذات يوم 
كان اجدانا امام لحظة فارقة في تاريخ العالم يوم صدر قرار التقسيم من الامم المتحدة ونحن اليوم امام قرار لا يقل عن قرار التقسيم سوءا , لا بل هو اسوأ , اذ ان من يفرط بارضنا وبوطننا وبعودتنا هم من ابناء " وطننا " , وان كنت لا ادري من اي خيانة رضعوا 
اما بالنسبة لما يحدث في الاردن , فهذا اقرب الى اللغز , فكلما قرأت واطلعت عن قرب على ما يحدث كلما ازددت جهلا ,وما تراه عيناك وتلمسه يداك لا يجب عليك ان تصدقه , لان خلف الاكمة ما خلفها 
هذا هو تقريبا ما يحدث حولي ولي , وهذا هو ما يدعوني لأن امارس البكاء بدموع من نار , هذا ما يدعوني الى ان اشتم كيفما اتفق , ان اصرخ , ان العن , ان اهذي , ان امارس احتقار الذات والعالم كما يجب 
وهذا ما يدعوني الى فقدان الامل الذي كنت قد حظيت به مع نور البوعزيزي الذي بدأ يخفت في قلبي 

ومنذ اليوم لن افعل شيئا سوى انني سالعنني 
وليلعنا التاريخ