Monday, October 15, 2012

غرافيتي وحائط يتيم , بقلم باسل الأعرج


قصة قصيرة
غرافيتي وحائط يتيم
تعثر  اثناء نزوله عن درج البيت , وقع وتلطخت ملابسه, وقف وشتم الاحتلال , اعتاد على مثل هذه العثرات واعتاد اهل القرية ان يهبوا لمساعدته , قصر عظمة الفخذ اليسرى نتيجة رصاصة دمدم لم يكن يخجله ابدا , كانت تلك الإعاقة شهادة له اينما ذهب على حجم تضحياته ونضالاته شهادة عز  على زمن كانت الفكرة حجراً والرفض علماً والرؤية شعاراً يستحق رصاصة ثشوه ساقاً وفي طريقها تسقط شهيدا ,لدرجة أن أطفال القرية كانوا يتعمدون تقليد مشيته اعجابا به .
 وصل سيارته وشق طريقه الى المجلس القروي في الشارع الذي قام الممولون بتوسعته, اختفت كل زقاق البلدة القديمة التي كان له فيها صولات وجولات , مر امام ذلك الحائط اليتيم الذي رفض ان يتم هدمه ابدا في اطار توسعة البلدة القديمة , ووافقه اهل القرية على هذا , فعند هذا الحائط استشهد احمد وفقد هو ثلاث سانتيمرتات من عظمة فخذه , ارتسمت تلك الابتسامة الجريحة على محياه وهو يقرأ الفاتحة على روح احمد ونظر الى ذلك الغرافتي الذي ما زال واضحا لشعار العاصفة على الحائط , استرجع  تلك الليلة , احمد يقف ملثما وهو يحرس ويراقب خوفا من قدوم جيب حرس الحدود , فجأءة سقط احمد مع سماع صوت الرصاص , حاول ان يهرب لكن خانته قواه , نظر الى رجله فايقن انه اصيب ,لم يكمل الشعار تحت الغرافيتي كان قد كتب ( لاصوت يعلو فوق صوت ...).
في اليوم التالي كان مقيدا الى سرير المشفى العسكري وفوقه لافتة ( مخرب ), شباب القرية المتحمسين اكملو الشعار بكلمة ( الانتفاضة ) بدمائهم عند مرور جنازة احمد  امام ذلك الحائط , اصبح تقليدا في القرية ان تتوقف المسيرة السنوية لعيد الاستقلال بضع دقائق امام هذا الحائط , وترفع التحية العسكرية لذلك الغرافتي الذي كلف حياة احد شبان القرية وكلفه اعاقة مستديمة .
وصل الى مبنى المجلس القروي , كان قد لاحظ السيارة المارسيدس التي اشتراها علي والتي  يتحدث عنها كل ابناء القرية  ,علي حديث النعمة والذي اصبح مقاولاًكبيراً في المستوطنات خلف ذلك الجدار العنصري بعد أن كان اسمه علامه تجارية مسبوقة بعبارة احذروا على ذلك الجدار الذي رفض صاحبنا هدمه اكثر من مرةهذا عدا عن  تعرضه - أي علي- في الانتفاضة الاولى للتحقيق من قبل الفصائل لبعض الشكوك التي تحوم حوله وما بين هذا الجدار وذاك اصبح علي رئيسا لمجلسهم القروي ,
ترأس علي الجلسة , كان من ضمن الحضور كل اعضاء الملجس وقادة الفصائل في القرية و مدير  المركز الشبابي , والنادي الرياضي , ومديرة النادي النسوي , ومدير مركز الاطفال بالاضافة الى مهندس المشروع ومندوب من الجهة الممولة , الاجتماع سيناقش الرتوش الاخيرة في التحضير للاحتفال المزمع عقده كخاتمة للمشروع .
تم الاتفاق على تقسيم المهام والفقرات , المركز الشبابي سيقدم فقرة للدبكة واكد مدير المركز ان الفرقة تتدرب على دبكة جديدة تسمى بالزمر , لطالما شعر المناضل  بالغثيان من تلك الدبكة المستحدثة التي تختلط فيها حركات الدبكة التقليدية مع حركات رقص الهيب هوب المستوردة , النادي النسوي سيقوم بتحضير الضيافة وقد تم تخصيص ميزانية خصوصية لتلك الضيافة , مركز الاطفال سيقدم رقصة تعبيرية صامتة واحد شباب القرية سيقوم بعمل فيديو عن المشروع وتنمية القرية , تساءل المناضل في خلده لماذا لا يوجد مارش عسكري كما تعودنا في كل احتفالاتنا؟ .وقد وقع عليه الاختيار بالاجماع ان يلقي كلمة نيابة عن فعاليات القرية لما يحظى باحترام وتقدير من كافة اهالي القرية .
طلب علي من الفصائل ان تقوم بالحشد الجماهيري لاهالي القرية لحضور الاحتفال , صمت القادة فهم يعرفون انه لم يعد بامكانهم تحشيد الجماهير , لكن انقذهم مدير المركز الشبابي ذو الميول الليبرالية والمناهض للعنف والمتحدث بطلاقة بالانجليزية انه هو وباقي المراكز من سيقومون بالتحشيد .
جاء دور المهندس ان يقدم تقريره للحضور عن المشروع وبعض اشكالياته , واقترح ان يتم دهان جدران القرية باللون الابيض لاخفاء الخربشات القديمة التي كانت باللون الاسود والاخضر والاحمر , لاعطاء مظهر جمالي للقرية , وافق الحضور وكان اكثرهم تحمسا وتشجيعا علي قائلا : علينا ان نبدو متحضرين ونظيفين امام الاجانب , همس المناضل لنفسه " علي يريد ان يمحي اسمه عن تلك الجدران , فهل يستطيع ان يمحوا تاريخه المشين من عقول الناس ؟ " , وتم الاتفاق على الحفاظ على نظافة جدران القرية من الخربشات وتعهدت الفصائل بهذا.
واكمل المهندس بأن مندوب الجهة الممولة الاجنبي يريد ان يضع لافتة لوصف
المشروع وقد اقترح ان يضع اللافتة وسط
 ذلك الحائط الذي يعيق الطريق فهو اكثر مكان مناسب,واكمل المندوب قائلا :
                                                                      It is the ideal position   
صمت الجميع و  ولوا وجوههم نحو المناضل يريدون ان يسمعوا ما سيقول , سكت المناضل فكر قليلا وتذكر تلك الكلمة التي كثيرا ما يسمعها هذه الايام في التلفاز وفي مقر الاقليم ( براغماتي ) , وقال : لا مشكلة ابدا .
في اليوم المشهود استيقظ المناضل مبكرا , لبس لاول مرة في حياته بدلة رسمية بعد حلق الذقن مرتين متتاليتين , كان ايضا قد اشترى حذاء طبيا والكعب للفردة اليسرى يرتفع ثلاث سانتيمترات ليخفي اعاقته , ففي هذا اليوم سيحضر القنصل لحضور الافتتاح كذلك تلفاز الدولة الرسمي سيقوم بعمل تقرير عن المشروع والاحتفال .
خرج من البيت متوجها الى مكان الاحتفال حيث نصبت المنصة امام الحائط اليتيم , لم يتعثر هذه المرة على درج البيت , وصل الى مكان الاحتفال , كل القرية مجتمعة ومندوبي الوزارات والشخصيات المهمة والقنصل يجلسون في الصف الاول , الكاميرات متأهبة , ابتدأ الحفل بقطع الشريط وازالة الستار عن اللوحة التي وضعت  : 
فوق الغرافيتي  وكتب عليها 
                                                                                        USAID
                                  أي مقدم من الشعب الأمريكي إلى الشعب الفلسطيني
 حانت اللحظة لكي يصعد الى المنصة ويلقي كلمة فعاليات القرية والتي كان قد سهر
 طوال الليلة الماضية لكتابتها , وكان قد استبدل التحية التي كان معتادا عليها " تحية العروبة والوطن والتحرير " , بجملة " تحية البناء والدولة والتنمية " .
اقترب من درج المنصة , خانته قدمه مرة اخرى ووقع ارضا , ضج الحضور ضحكا لهذا المنظر المخجل .
وصرخ احدهم من بعيد مستنكرا " الم تجدوا غير هذا المعاق ليمثل القرية ؟ فضحتونا , ليش ما خليتو علي يلقيها "


v                     باسل الاعرج
v                     البوستر تصميم وليد ادريس