Tuesday, March 13, 2012

الكاتب العاري



بدأت اليوم بقراءة رواية الكاتب المغربي محمد شكري "الخبز الحافي " وكنت قد سمعت ان الرواية قد اثارت جدلا كبيرا , وعندما " جووجلتها " وجدت انها قد منعت في عديد من الدول العربية , وربما لا زالت ممنوعة ايضا في بعضها , تحت بند ان هذه الرواية مليئة بالفاظ تخدش الحياء العام او لانها على حد زعم مانعيها تشوه الصورة الجميلة للبلدان العربية 
وردي على كل هذا الكلام هو : ايها السادة :  احا , انا حقا اعترض 
وقبل ان اتحدث عن الرواية دعوني اتكلم قليلا عن وظيفة الأدب من وجهة نظري المتواضعة , فبينما يريد الساسة والحكام وأوغادهم المطبلون ان لا تكون للأدب وظيفة الا التسبيح بأناء الحاكم وافضاله ليل نهار , يرى الأدباء الحقيقيون ان التمرد على الغلط هو الأدب , , وظيفة الأدب يا سادة هو ازالة الثوب المنمق الجميل المسدل على واقع مليء بالقذارة , واقع يريد له اعلام الطغاة ان يظل مختبئا , لأنهم يعلمون تمام العلم ان اظهاره سيدفع الناس الى ان ان تفعل شيئا لتغيير هذا الواقع " المهزلة " والذي يعلم القاصي والداني انهم هم السبب في حصوله بداية او على الاقل في استمراره . 
ولأن السلطة ليست فقط سلطة سياسية بل ان هنالك سلطات اقوى هي السلطات الدينية والسلطات المجتمعية التي تمارس دورا رقابيا هو اكثر سوءا وتشددا ,فان مهمة الأدب ان يقاوم هذه السلطات وان يحاربها من اجل ان ينتزع حقه المشروع وواجبه المقدس في اصلاح المجتمع والنهوض بالبشرية من براثن التخلف والجهل الممنهج 
الخبز الحافي 
كنت قد قرأت قديما مقالا للماغوط يقول فيه انه قد قرأ رواية تحدثت عن الفقر والجوع دفعته الى ان يبات ليلته في المطبخ ليحمي ثلاجته واكله , وهذا دلالة على ان كاتب تلك الرواية التي لا اعرف اسمها قد اجاد التأثير على القارئ حتى اوصله لتلك الحال , وهذا بالضبط ما حدث لي خلال قرائتي للصفحات الاولى لرواية الخبز الحافي , جوع غير متصور , جوع اود في كثير من الأحيان ان اتخيل انه غير موجود , جوع لولا صور المجاعات الأفريقية التي ارانيها الاعلام مرارا لما صدقت وجودها , وخاصة في القرن الحادي والعشرين . جوع يدفع الأب الى ان يقتل ابنه الصغير لأنه لا يجد  ما يسد به  رمقه , جوع يدفع "محمد " الى الغوص في المزابل من اجل ان يسكت الأمعاء المستغيثة .

اما عن لغة محمد شكري فهي احد الأسباب التي تدفعني الى التشكيك في صدق الرواية حيث تقول انه لم يتعلم القراءة والكتابة الا مع بلوغه العشرين ! ويحه ما افجره ! قد تنطبق السماء على الأرض حرفيا قبل ان اصدق هذا الهراء , ان اللغة التي استعملها محمد شكري في كتاباته توحي لي بأنه خرج من بطن امه حاملا لقلمه بيمينه ولدفاتره .بيساره ومنذ ذلك الحين وهو يملئ الأوراق صخبا وجنونا 

اما النقطة الاهم في مسيرة هذا الرجل المعجزة فهي قدرته الخارقة على الصمود , كيف لشخص واجه ما واجهه هذا الانسان في حياته ان يظل انسانا , ان يقوى على الحلم , وان يقاوم , وان ينهض صباحا ويرسم ابتسامة ما على وجهه , , فقر متقع , وجوع كافر , ورذيلة عمت وطغت , وجهل كالنار في الهشيم انتشر ,موت بات عاديا , ومع ذلك يواصل صديقنا نضاله اليومي , ويواصل كتابة معجزة النجاة من يوم الى اخر , حتى طوّع له الايام و خضعت له مشيئتها , فصار يوما ما أراد 
 كيف يجرؤ من قرأ رواية كالخبز الحافي على ان يرفع الراية البيضاء في يوم من الأيام
كيف يطيعه لسانه وهو ينطق بكلمات الاستسلام , ويعلن هزيمته المرة باعين دامعة !؟
الخبز الحافي دعوة للصمود ولاعلانها وباعلى صوت : نحب الحياة , وسنحيا الحياة كما نريد 
الخبز الحافي افهمتني كيف ضاعت فلسطين 
الخبز الحافي اجبرتني على ان اجد عذرا ما لمن ضاعت فلسطين على ايامهم !