Friday, November 16, 2012

التنسيق الأمني 101

عن أول مظاهرة لي في أرض الوطن , وعن التنسيق الأمني 

صباح اليوم _أول يوم للعدوان على غزة _ كنت أقرأ في رواية الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي رأيت رام الله , وهي
 رواية كتبها بعد عودته إلى فلسطين بعد حوالي ثلاثين عاما على إبعاده عنها ! وقد سجل في هذه الرواية ما شاهده في رام الله " الجديدة " وما لاحظه من تغيرات وأمور أخر 
وقد قررت بحكم أنني أعود إلى رام الله بعد حوالي خمسة وعشرين عاما "هي عمري 
"قضيتها في الأردن لأقرر بعدها ان الوقت قد حان لأعود إلى بلدي , وها أنا فعلا أستقر في رام الله , وبما أنني قرات كتاب مريد البرغوثي فقد قررت ان أبدأ بتدوين يومياتي  بصفتي عائدا إلى أرض الوطن , وقد يكون للطريقة التي أنظر بها إلى الأمور أهمية ما 
لكن القدر قد اختار لي أن يكون هذا اليوم يوما مميزا إذ ان الإحتلال الصهيوني قد قرر اغتيال القائد أحمد الجعبري اليوم وبذا تغير كل شيء , واليوميات التي كان يفترض بها ان تكون "عادية " لاشك ستتغير إذ يبدو في الأفق أننا مقبلون على أيام سود , فيها الكثير من الدم الفلسطيني المسفوك , في سيناريو مكرر للعدوان على غزة 2008 
على كل وبعيدا عن الإطالة فقد قرر مجموعة من الشباب وبشكل عفوي للغاية وبعد سماعنا لخبر القصف على غزة وخوفنا من القادم , قررنا ان نخرج في مظاهرة تحتج على السفالة الصهيونية المتجددة وتطالب الفصائل الفلسطينية بالعودة إلى الوحدة والتركيز كما يقول المنطق _منطقنا نحن على الأقل _ على مقاومة الإحتلال على اعتبار أننا لسنا أفضل حالا من غزة بكثير فالضفة أيضا أرض محتلة , ولابد من تحريرها . 
وبالفعل يا اعزائي تداعينا إلى المنارة , وقد كنا خائفين من أن يكون  لا عددنا يفوق الخمسين شخصا , لكن ما حدث اننا كنا عدة مئات من الأشخاص من مختلف الإنتماءات الفكرية والحزبية وانطلقت المسيرة من دوار المنارة ودارت في المنطقة قليلا وكانت الهتافات تتحدث عن ضرورة العودة للوحدة الوطنية , وعن ضرورة استعادة المقاومة العسكرية لدورها كمدافع عن شعبها , وبعيدا عن بعض الهتافات الخارجة عن الصف , والتي هتفت للرئيس أو هتفت هتافات فصائلية فقد كانت المسيرة مقبولة وكأول مظاهرة لي في الوطن فقد كنت راضيا عنها إلى حد كبير , وقبل أن تنتهي المظاهرة وعوضا ان نعود إلى المنارة كما كنا نتوقع توجهت المظاهرة إلى أحد الشوارع الفرعية وبالطبع بما أنني لا أعرف عاداتنا في التظاهر فقد مشيت مع الماشين لأكتشف فيما بعد أننا ذاهبون لمستوطنة بيت إيل , بصراحة لا أعرف ما الذي كنا سنفعله هناك , هل سنشتبك مع جيش الإحتلال مثلا ؟ أم ربما سنقتحم المستوطنة ؟؟ كل شيء بالنسبة لفلسطيني يكتشف فلسطينيته كان جائزا 
لم أكن أعرف أهمية هذه الخطوة التي نقوم بها حتى قال لي أحد الأصدقاء أننا كشباب لم نتوجه في مظاهرة ضد مستوطنة بيت إيل منذ مدة ! وهذا يعني أننا نقوم باختراق خطوط حمراء لدى جهتين ستعرفونهما بعد قليل 
بالطبع لدى اكتشاف الناس أننا ذاهبون إلى بيت إيل انقسموا إلى قسمين , قسم متحمس للذهاب والقسم الاخر رأى أن هذه مغامرة غير محسوبة , ولذا فقد رجع من رجع لكننا واصلنا مسيرنا والهتاف "إلى بيت إيل , إلى بيت إيل " .
وهذا ما حدث  , مضينا إلى المستوطنة , وقد هتف أحد المشاركين أن السلطة تحاول قمعنا , فظننت أن صديقنا يفتري على قوى الأمن الفلسطينية , لكن ما حدث فعلا هو انه على بعد مئة متر كان صف من قوى الأمن الفلسطينية متشابك الأيدي يقف أمامنا في محاولة لمنعنا من العبور , بالنسبة لي توقفت حتى أرى كيف سيتعامل المتظاهرون المحترفون مع الموقف , وبالفعل نجحوا في اختراق الحاجز الأمني وعبرنا راكضين ,عدة مئات من الامتار , لنشاهد ذات المنظر يتكرر للمرة الثانية , ولكن هذه المرة كان عدد قوات الأمن أكبر من عددنا وكانوا واقفين في عدة صفوف , منهم من يحمل الهراوات , ومنهم من يحمل الأسلحة النارية , الأمر الذي استفز بعض المتظاهرين فهتفوا لقوى الأمن قائلين : "حامل سلاحك ليش ؟ يللا صوبوا على الجيش " والجيش هنا المقصود به جيش الإحتلال الذي كان دورياته تقف على بعد عدة مئات من الأمتار منّا . 
حاول المشاركون عدّة مرّات عبور الحاجز الأمني إلّا أننا عجزنا , وبدا واضحا أن هذا هو أقصى "تماد" ستسمح لنا السلطة بارتكابه حتى لو كان هذا يعني قمعنا !
بقينا قرابة الساعة أو أكثر على هذه الوضعية ,حتى قررّنا العودة بعد ان حاولنا فعل شيء لتخفيف العبء عن غزة ! 
لدي الكثير الكثير من الملاحظات حول مظاهرة اليوم , وسأحاول قدر الإمكان ألّا انشر الغسيل الوسخ هنا , وسأترك ذلك للجلسات المغلقة 
ملاحظات : 
لم اعتد كثيرا على كون الفتيات هن البادءات في الهتاف , وهذا ما حدث اليوم إذ كانت أغلب الهتافات تأتي من الشابات , وهذا أمر عظيم , أعني ان تعرف المراة الفلسطينية أن لها دوراً , ودوراً مهما جدا في العمل النضالي , وقد كانت نسبة الشابات في المظاهرة كبيرة , وهذا ما يذكرنا بأيام الانتفاضة المجيدة عندما كانت أغانينا تقول : الشب بحد الصبية 
على ذكر أغنية الشب بحد الصبية , أظن أن على الإسلاميين أن يراجعوا موقفهم من المرأة , أو على الأقل على فصائلنا الاسلامية الفلسطينية , وكذلك على فتح أن تراجع نظرتها ونظرة كوادرها للمرأة بشكل عام وللمرأة الفلسطينية بشكل خاص , فالمرأة مكانها ليس هو المطبخ , ولا حتى رمي الحجارة من أسطح البيوت , المرأة شريكة وعضو فاعل في العمل الوطني وأي استبعاد لها تحت مسمى " العيب " أو بسبب العقلية الذكورية الشرقية , إنما هو خدمة جليلة نقدمها للإحتلال , إذ ان استبعاد المرأة يعني استبعاد خمسين بالمئة من قوة المجتمع!!! وهذا بالتأكيد ما لا نريد . 
ملاحظة اخرى : إن لم تكن كل مظاهرة نخرج فيها عبارة عن درس لنا , وعن طريقة نصحح بها أخطائنا السابقة فعلى الأغلب أن تظاهرنا هو أمر عبثي , وهو مجرد محاولة بائسة منّا لإرضاء الذات وللتفريغ عن الغضب المحتدم داخلنا , وهذان السببان برأيي غير كافيين للتظاهر , فعلينا كنشطاء وكشباب أن نعمل على تطوير أساليبنا دوما  , وعلينا أن نطور من العقلية التي بها ندعو الناس للمشاركة , وعلينا بالتاكيد أن نجد طريقة ما لتجنب المشاكل التي تسببها لنا السلطة بطرق غاية في الذكاء , وهي تفعل ذلك عن طريق نصب أفخخاخ لنا لا نكف أبدا عن الوقوع فيها ! 
وعلى ذكر السلطة فإن قوى الأمن التابعة لها منعتنا اليوم من "الاشتباك " مع المحتل , و بالطبع فإن الحجة التي يستعملونها لتمرير قرار كهذا هو الحفاظ على حياتنا كمواطنين فلسطينيين من رصاص المحتل , والحقيقة أن هذه الحجة لا تصلح فما تخاف منه السلطة حقا هو أن نشتبك مع الجيش فتكون هذه شرارة انتفاضة ثالثة لا أحد يعرف إلى أين من 
الممكن لها أن تقودنا ! 
وربما تكون المفارقة الكبرى فيما حصل اليوم هو أن السلطة كانت قد نظمت في ذات اليوم صباحاً  يوما للمقاومة الشعبية , وقام العديد من المواطنين بمحاصرة المستوطنات , ولكننا عندما قمنا بذات النشاط بعيدا عن أجندة السلطة ومن غير أخذ لإذنها صار ممنوعا عليها ذلك وهددنا بالقمع , صحيح أن هذا التهديد لم يكن واضحا بالقول لكن مجرد حمل الشرطة لهراواتها وأسلحتها النارية فإنه أمر أكثر من كاف لإيصال الرسالة ! 
هذه كانت تجربتي الأولى مع الأولى مع التنسيق الأمني سيء الصيت , وقد اتضح لي |أن ما يقال حوله يكاد يكون صحيحا , 
وفي انتظار مواجهتي الأولى مع جيش الإحتلال , كل مظاهرة وأنتم بخير