هل اتكلم عن نفسي هنا ام اتكلم عن احد غيري , لا داعي للإجابة , فالفارق ليس مهما على الاطلاق
هو وجع شخصي عام ابثه امام العالم غير طالب لعطف وغير مستجد لشفقه
هو مجرد محاولة مكتومة للصراخ
هو لا يختلف عن اي شحص اخر في العالم من ناحية نظرته الى العمل الذي يعمله ,
فهو يعتقد اعتقادا جازما في قرارة نفسه انه افضل الف مرة من ان يعمل في هذه المهنة اللعينة التي يعمل بها , وان سألته عن سبب بقائه في هذه الوظيفة الليعنة منذ سنوات وسنوات لما احتاج الا لثانية ونص ليجيبك ويفحكمك ربما ,ثانية ونصف تكفيه حتى يُرجِع موضوع تورطه في هذا العمل , بل و بقائه فيه الى تلك الحجة التاريحية والشماعة التي يعلق معظم البشر اخطائهم وعثراتهم عليها الا وهي الحظ
فصديقنا لم يتوانى لحظة في الشكوى من حظه التعيس
وإن سألتموني عن رأيي في حظ صديقي الذي اروي لكم قصته فسأفاجئكم واوافقه الرأي , فلو فكر العلماء باستحداث جائزة نوبل لسوء الحظ لنالها صديقي هذا مرات ومرات ,ولأن حظه سيء فلن يعطى مع الجائزة قرشا واحدا
اما من ناحية ان عمله لا يناسبه فهذا الامر لا استطيع ان افتي فيه لأنني ايضا ارى انني افضل من ان اعمل في العمل الذي اعمل فيها الف مرة
اعود الى صديقي , ولأخفي هويته عنكم فسأسميه على اسمي "جابر " وليكن ما يكون , صديقي جابر انهى دراسته الثانوية بمعدل جيد ولانه لا يملك من النقود ما يسمح له بالدخول الى الجامعة فقد قرر ان يعمل لسنة او لسنيتن يجمع خلالهما ما يمكن له ان يجمعه من النقود التي تمكنه في يوم ما من دخول جامعة محترمة , يتخرج منها ويصير كما بقية البشر موظفا محترما , يقول له الناس يا استاذ وربما يجامله البعض بان يقول له يا سيدي جابر .
مرت الايام على صديقنا جابر "لا شك لدي في انكم كرهتم الاسم لكثرة ما رددته عليكم " والنقود التي يستلمها باليمين اول الشهر لا تكاد تكفيه حتى منتصفه فضلا عن ان يقوم بالادخار , وعملا بمبدأ " الطايح رايح " عاش صديقنا عاميه الاولين والذين كان من المفترض انهما كانا كافيين ليبدأ دراسته الجامعية على الاقل , لكن صديقنا وك "الهجين في سلة التين " اكتشف فجأة ان يده فرطة للغاية وان القرش لا يبيت في جيبه ولو اضطر لاكل النقود اكلا , بالطبع لابد وانكم شعرتم ان ما ينال صديقي من عمله في المطعم اللعين هو عبارة عن "كمشة الاف" ينالها كل نهاية شهر , اعتذر عن سوء الفهم الذي احدثته لديكم , صديقي طفران وعايف حاله , والراتب كله على بعضه لا يكفي لأن يحظى بسهرة من تلك السهرات الملونة اياها !!.
هذا بالنسبة للنقود
فلنأتي الان الى العمل
لم يسبق لصديقي جابر " ما غيره " ان عمل اي عمل في حياته , لم يقشر حبة ليمون من قبل , ولم يقل بيضة من قبل , بل ولم يشرب كاسة شاي لم تكن امه قد اعدتها له , بالعربي الفصيح كان صديقي عبارة عن مغمض لا ناقة له ولا جمل في هذا العالم سوى كتب المدرسة التي كان يفهمها دون ان يبذل اي مجهود في فهمها ,
ولكن للأسف كانت اجواء العمل تختلف كلية عن اجواء المدرسة "هنالك اوجه شبه سأعرضها عليكم لاحقا " فلم يكن ينفعه حفظه لمئات الابيات من الشعر , ولا اتقانه للغة ثانية بينما لا يتقن معظم العاملين معه لغتهم الام , وبالطبع مهاراته في التفاضل والتكامل وعلم الوراثة ليست ذات نفع هنا ابدا
وما اريد ان اوصله لكم من خلال الكلام السابق ان صاحبي كان عبارة عن لطخ وبامتياز في عمله الاول والوحيد الى الان , يقولون له اذهب يمينا فيذهب يسارا , ارفع هذه الكرتونة فيوقعها , نظف تلك القطعة فيمكث ينظفها ساعة كاملة لتخرج من عنده اكثر اتساخا .
ان تفشل في عمل ما لا يعني بالضرورة انك فاشل في حياتك , وانما يعني ان هذا العمل لا يناسبك وان عليك ان تبحث عن عمل اخر , هذه المسلمة لم يفهمها صديقي الا في وقت لاحق جدا , ولذا فقد اعتبر كل كلمة تقال عن فشله في عمله اهانة لا تغتفر , وشتيمة من العيار الثقيل , وما لم اذكره لكم هو ان علاقة صديقي بالثقة بالنفس كانت تماما كعلاقتي انا محدثكم الكريم بالسيدة انجلينا جولي , علاقة احلام واوهام , كان يحلو لصديقي ان يفكر فيانه سيصبح ذات يوم ك "أل باتشينو" في فيلم
"the god father "
مهاب الجناب , مسموع الكلام , الكل ينصت ان تحدث , والكل يطيع ان امر , ,وسيم الملامح , اسطورة اناقة , ممتلئ الجيب , معبود الفتيات , وقائد تاريخي بالفطرة
وربما سيكون هكذا في يوم من الايام لكنه الان ليس هكذا ابدا , بل انه على العكس من هذا تماما
ولأن ثقته بالنفس ضعيفة جدا لم يستطع ان يرد الاهانات التي تعرض لها , ولم يقدر خلال الشهور الست الاولى من انتقاله من عالم المدرسة الامن الهادئ , الى عالم العمل والنقود المرعب المليء باشياء لم يرها من قبل ولم يسمع عنها , عاش اشهره الست الاول بهاجس واحد يسيطر على تفكيره
انت زائد على هذا العالم ولابد وان تريح نفسك وتريح العالم من قرفك , انت غبي وكل ما كنت تعرفه في المدرسة كان عبارة عن هراء
كل ما سمعته من كلمات ثناء ومديح من المعلمين كان هراء وغباء "
شهادات التقدير التي لا زلت تحتفط بها الى الان لا تصلح حتى لتكون ورق " تواليت " يسمح به الزبائن مؤخراتهم , فانسها , وان اردت ان تفعل شيئا مفيدا لاهلك وللعالم فلتمت ولتصدمك سيارة من تلك السيارات الفارهة التي لولا هذا العمل لم تكن لتراها الا في الافلام . وبذا تموت وتستريح , ويكسب اهلك من ورائك بعض النقود"
وفي النهاية