كتبت هذا المقال قبل حوالي العام , واظنه لا زال صالحا للإستخدام ونحن نحث الخطى نحو الشهر الفضيل
واليكم نص المقال :
معركة بدر الكبرى
معركة عين جالوت
وحرب اكتوبر المجيدة
كلها معارك وحروب مفصلية لا في تاريخ العرب والمسلمين فقط بل وفي تاريخ البشرية جمعاء
لكن اعتقد جازما ان المعركة التي ساحدثكم عنها لا يعرفها منكم الا القليل
وان ما يعرفه هؤلاء هو اقل القليل
ففي الاول من رمضاننا هذا الذي نحيا حدثت هذه الموقعة " المشرفة" في تاريخنا الاردني الحديث
ومكان حدوثها بالضبط هو محل رمضان الخليلي للعصير
المحل الاشهر على الاطلاق في مجاله
الساعة الخامسة مساءا وباقي على اذان المغرب ساعتان ونصف
اقف في طابور لا يذكرني الا بطوابير الخبز المصرية وكما كل الطوابير بدا لي انني لن اصل الى حيث اريد ابدا وان هذا الطابور لا يتحرك الا خطوة الا الامام وخطوتين الى الوراء
لكن الحاجة وحدها هو ما يدفعني الى هذا الشقاء اللا نهائي
وكما يعلم الجميع انه بامكانك ترك صلاة التراويح في رمضان
ولن يلومك احد
بامكانك ترك الصلاة كلها ايضا
ولن يلومك الا اقل القليل
بل حتى انك لن تلام الا قليلا ان تركت الصيام
ربما سيلومك البعض في البداية الا انهم سيكفون عن ذلك بعد بضعة ايام
لكن الامر الذي لن تنال على تركه مغفرة ابدا , ولن تكف السنة الناس عن شتمك لاجله هو
ان لا يكون عندك وقت الفطور لتر واحد على الاقل من العصير !!!؟
والافضل ان يكون من عند المناضل رمضان الخليلي
الساعة الخامسة والنصف
ولم اتقدم في الدور الا مترا واحدا
ما الذي يحدث ؟؟
الشمس لا تشعر برغبة في التنحي والارجح انها لن تفعل ذلك ابدا
المشهد الماثل امامي لا يذكرني الا بيوم الحشر
حيث يغرق البشر في عرقهم والخوف والوجل يملؤ القلوب
لكن الفارق ها هنا اننا نفعل هذا مختارين طائعين
بوادر التذمر تظهر جلية على وجوه كبار السن وعدد من النسوة اللاتي لا زلت اسائل نفسي كيف سيتمكن من اعداد الطعام لازواجهن
الساعة السادسة
لا زال الصراع محتدما بيننا نحن الواقفين على الطابور _على غير العادة نقف على الطابور دون اعتماد على قوة العضلات _ وبين تلك الكرة الصفراء الملتهبة في كبد السماء
كلنا اصرار على حسم المعركة لصالحنا وعلى اجبارها على افساح المجال للعتمة بالظهور
لكن مع صمودنا الاسطوري تزداد حدة التذمرات ويبدو ان مشاكلنا لم تعد تتعلق بالحرارة الجهنمية فقط
فقد تحول اهتمامنا فجأة الى امر واحد فقط وهو تلك الشائعة التي سرت كالنار في الهشيم
"العصير لن يكفينا جميعا "
فلنحترق بنار جهنم لا بنار الشمس فقط ولكننا نريد العصير الان وعلى الفور
بدات عبارات كهذه تطفو على السطح
والاخطر ان محاولات البعض لتجاوز الدور عبر القوة البدنية او عبر استخدام الجمال الانثوي قد نجحت
الامر الذي دفع عددا من العجائز الى اعلاء الصوت بالاحتجاجات
لم استطع معرفة الوقت على وجه الدقة الا انني اظن ان الساعة لابد كانت بعد السادسة والنصف وقبل السابعة
احد العجائز يخرج علبة سجائره من جيبه ويشعلها
لم يحن موعد الاذان طبعا
ولم يلتفت الى هذه الفعلة احد سواي
والحقيقة ان احدا لم يكن يابه الى اشعال هذا الرجل سيجارته او حتى اشتعاله هو نفسه
شاب ثلاثيني سئم الانتظار في الطابور فتقدم الى البائع ووضع في جيبه مبلغا من المال
وحصل على عصيره ومضى وسط نظرات الاعجاب من البعض والحسد من البعض الاخر
"ان كان هذا الشاب القوي قد تعب من الانتظار فنحن اشد منه تعبا "تصدر هذه العبارة عن عجوز كبير السن ويتقدم الى البائع وتتبعه جموع المنتظرين
احك يدي بفرح لا مثيل له
اخيرا لم نعد نقف على الدور
اخيرا عدنا الى طبيعتنا
يحاول صاحب المحل اعادة النظام
لكن هيهات
فالمسبحة انفرطت والامور خرجت عن السيطرة
دقائق قليلة
الافواه الجافة باتت تقطر شتائم لا تتحدث الا عن الاعراض
والاجساد التي كانت قبل دقائق واهنة استعادت قدرتها على الركل واللكم والرفس
دقائق اخرى وقوات الامن تحاصر المكان والنتيجة ثلاثة جرحى
ومعتقلان
نسيت ان اقول لكم رمضان كريم
No comments:
Post a Comment