لا ادري ما الذي اوحى لوالده ان يسميه سعيدا .......على الرغم من انه "اي الوالد " لم يمنحه يوما سببا ليكون سعيداً وكذلك الحياة لم تفعل ....على كل كان سعيد يعيش ربيعه الثالث والعشرين على ظهر هذا الكوكب اللعين واقول "ربيعه" تجاوزا والا فالحقيقة الواضحة كالشمس انه كان يعيش شتاء العمر مواجها عواصفه ورعوده ..........فان كان يجوز ان تسمى هذه المرحلة التي يعيش بربيع العمر فكيف اذن سيكون خريفها والادهى والامر كيف سيكون شتائها
جاء سعيد الى هذه الحياة كما ياتي الفقراء اليها وفي فيه "حذاء مرقع "لكنه كان كما بقية الفقراء يحيا على الامل والامل كما علمه والده ليس غنىً مفاجئا ينزل عليه من السماء ولا قريبا ثريا يموت مرثا اموالا وقصورا بل الامل كا الامل هو شهادة جامعية يفاخر بها الدنيا شهادة تكون بمثابة مصباح علاء الدين السحري القادر على تحويل الاحلام الى حقائق والطلبات لديه اوامر
وعلى هذا الاساس اجتهد سعيد ودرس كما لم يفعل احد وعلى الرغم من ذكائه الحاد الا انه ارتكب خطأ لا يغتفر في وقت لا يغتفر فخلال اهم سني حياته _ الا وهي السنة التي يتقدم بها الى امتحان الثانوية العامة _ احب فتاة ما في المكان الفقير الذي يسكن فيه ....تلك الفتاة التي احب صورتها ولنى لها في خياله قصورا وراى يحاة لا تشبهها الا حياة الامراء في الف ليلة وليلة احب فتاة كانت تشاركه الفقر الا انها كفتاة كانت كل الابواب مفتحة امامها بفعل جمالها الخارق للعادة وكان الخطاب لا ينفكون يدقون بابها
ليس حبا في سعيد ولكن لانها علمت ان جمالها في يوم من الايام قد يزول ولن يبقى لها الا شهادتها ولذلك اجتهدت هي الاخرى وبذلت كل ما استطاعت من اجل ان تصل الى معدل يؤهلها الى دخول جامعة ترغب بدخولها وبالطبع كما تفعل كل الجميلات وكما يحدث لكل الفقراء لم يجرؤ سعيد يوما على التحدث اليها على الرغم من انه كان قد الف له اشعارا لم تخطر ببال نزار وكتب لها ما لم يكتبه شكسبير لامراءة من قبل وعلى الطرف الاخر كانت تعلم تلك الخبيثة الماكرة تمام العلم مقدار حبه لها الا انها كانت اقسى او ربما اذكى من ان يرق قلبها لقلبه الملتاع بحبها
المهم ...........نجح سعيد في امتحان الثانوية واحرز معدلا اقل مما كان يامل ولكنه جيد ليدخله الجامعة التي يريد ..........الا انه اصطدم بالعقبة التي يصطدم بها هو و الملايين غيره الا وهي ان والده غير قادر على تدريسه لا في الجامعة التي يريد فقط بل في اي جامعة اخرى
اللعنة على الملايين غيري كل ما اريده هو ان ادرس فقط ان ادرس....... قطعت نصف الطريق نحو المجد ونحو التخلص من ثياب الفقر التي حفظت بصماتي وحفظني الناس بها
لجأ الى العمل كما يفعل الكثيرون غيره وهو الان لم يعد صغيرا ليواجه تحديات الحياة ومصاعبها "على افتراض انه كان يحيا قبل هذا بنعيم مقيم "
لم تضعف عزيمته ولم تهن بل واصل العمل لسنتين كاملتين كان خلالهما يساعد والده في مصروف البيت واضعا نصب عينيه هدفا واحدا الا وهو شهادة جامعية تمكنه من تغيير حياته
وبالفعل نجح في جمع مبلغ لا باس به ليدخل الى جامعة من المبالغة بمكان ان توصف على انها جامعة لكن ما امت تنمح شهادة فلم لا !!؟
واصل دراسته وواصل العمل ايضا وواصل والده كذلك مطالبته بالمساعدة في مصروف البيت
عمل في مهن عدة وحاول قدر استطاعته ان يوفق بين دراسته والاعمال التي يعمل بها "لانه في بعض الاحيان وخاصة في اوقات الاجازات كان يمتهن عدة اعمال في ان واحد " ولولا الذكاء الذي منحه الرب لبائت محاولاته الدراسية بالفشل
وكما حدث له في اهم عام في حياته احب فتاة اخرى
فتاة اخرى انسته فتاة المراهقة الاولى
اللعنة عليها ............هل هذا وقتك لتظهري امامي هكذا ؟؟؟ من اين اتيت لي ؟
حاول تجنب التفكير بها لكنه عقله الباطن واصل هواية رسم الاحلام ولم تكن تلك الاحلام سواها بطبيعة الحال
سوزان او سارة او ليلى لا ادري ما اسمها ولست اهتم ........المهم انها سلبته لبه وكما لم يفعل اول مرة صارحها بمشاعره فصارحته بمبادلته تلك المشاعر
احبها بجنون واحبته كذلك بجنون
لم يتوان ولو للحظة واحدة عن مساعدتها حيث استطاع فعل ذلك باعتبار انه كان من الاوائل على دفعته
كانت بابتسامة واحدة منه تستطيع تغير مزاجه الف درجة ........معها كان يحس انه لا زال في الحياة امل .......لا زال من حقه ان يبتسم بعد ان فعلت به الحياة ما فعلت
احس بحياته تنقلب الى راس على عقب .........."لاول مرة في حياتي اكون اسمى على مسمى .........لاول مرة في حياتي اكون سعيدا وسعيدا "
يقولون او ربما انا من اقول ان الربيع هو اقصر فصول السنة وكذلك كان ربيع "سعيدنا "
ففي مساء ليلة شتوية ممعنة في البرودة او ربما قبل فجرها بقليل عاد سعيد الى بيته من عمله منهكا مهدود القوى الا انه وجد امه مستيقظة على غير العادة
سالها عن سبب استيقاظها الى هذه الوقت فاجابته ان والده غائب عن البيت منذ الصباح سالها وما الغريب في هذا ؟خاصة انه وبحكم عمل والده فانه معتاد على المبيت خارج البيت مدة قد تصل الى يومين او اكثر بقليل
الا ان ام سعيد ذكرت ابنها البكر ان والده لا يعمل منذ عدة اشهر
حاول ان يطمئنها على والده الذي كان من الجور والجهل ان توصف علاقتهما معا بالطبيعية فالشاب في عالم والاب في عالم ولا يتقاطع هذان العالمان الا داخل جدران هذا البيت المتهالك
حاول ان يطلب رقم هاتف والده الا انه لعن النسيان مرارا عندما تذكر ان والده كان قد باع جهاز هاتف بمبلغ خمسة دنانير قبل اسبوع لان البيت لم تكن في قطعة خبز واحدة ومع ذلك قام الوالد الحنون بشراء علبتي سجائر ليقضي بهما شهوته بدل ان يسد جوع زوجته التي احتملته سنين طوال على امل ان يتغير الحال ويتبدل.
نحن الان في اخر الشهر ولم يكن في جيب سعيد سوى دنانير قليلة لا تكفي الا لبلوغه مكان عمله وقرر ان لا يذهب الى الجامعة هذا الاسبوع لانه وببساطة لا يملك نقودا توصله الى الجامعة
"استطيع تحمل البعد عنك يا سارة لكنني لا استطيع مشاهدة امي تكتم بكائها الما وجوعا " هكذا قال في نفسه
مضت الايام الخمسة المتبقية على الشهر واخذ سعيد راتبه وكم كانت ضحكته مدوية ومؤلمة عندما علم انه ولسبب لم يفهمه كان راتبه "والذي هو اساسا لا يكفييه" ناقصا عن المعتاد لم يتذمر كثيرا
الاسئلة التي تجول في باله كثيرة جدا
ما الذي حدث لابي ؟ هل من الممكن ان يكون قد غادر الحياة وتركنا ؟؟؟ نعم كنت ساحزن لانه مهما يكن من امر فانه يظل والدي
هل هو في المستشفى ؟؟؟ واي مستشفى تلك ؟
اين سابحث عنه ؟
اللعنة على هذا التوقيت ؟؟ الامتحانات على الابواب وانا لم استكمل بعد دفع ما علي من نقود للجامعة !!! ان كان والدي قد مات فعلا فمن سيعول عائلتنا !!! ان الموت الف مرة اهون علي من ان ارى والدتي تحتاج!!!.
وضع النقود في جيبه وعاد الى البيت كالعادة متاخرا عن شروق الشمس بساعات قلائل ......وضع المنبه على الساعة السابعة صباحا ليذهب الى الجامعة ويدفع ما عليه من نقود ليسمحوا له بالتقدم الى الامتحانات النهائية التي باتت على الابواب وكان المبلغ الذي تطلبه منه الجامعة اقل بعشرة دنانير من راتبه
ضحك مرة اخرى
لكن ان كان سيدفع هذا المبلغ للجامعة فكيف سيتدبر مصروف البيت
فكر طويلا ثم قرر ان يترك الموضوع للقدر ...........وما اسرع ان جائه الجواب
لم يكد يغلق عينيه لترتاحا الا وبجرس هاتفه يرن ...........كان الرقم من خارج البلد
استغرب لثانية وخاف لثوان اخرى لكنه اجاب حتى لا يضطر هو الى اعادة الاتصال
كان الصوت على الطرف الاخرمن الهاتف صوتا مالوفا للغاية انه صوت "والدي "
على الاقل هو ليس ميتا !!!!
مرحبا........... سعيد؟
نعم سعيد .......كيف حالك يا ابي ؟
اسمعني جيدا ...... لست بحاجة لتبرير ما افعل لاحد وخاصة لابني ولكنني اريد ان اخبرك ان تكاليف الحياة باتت كثيرة جدا وانا تعبت فعلا من الانفاق عليكم طيلة هذه السنوات دون اي امل في ان اعيش ولو لثانية ..ببساطة لم اعد استطيع التحمل وعليك انت ان تعتني بامك واخوتك الصغار "
كان للامر وقع الصاعقة علي سكتت لثوان احسستها ساعات طوال شاهدت سارة في ثوب الزفاف الابيض وفجأة بدات تختفي
لثوان عدة لم اعد استمع الى الطرف الاخر من الهاتف
الا انني سمعت صوتا ينادي علي : سعيد ........سعيد
نعم؟
اريدك رجلا يعتمد عليه
وهنا لم استطع لجم نفسي فضحكت ضحكة ايقظت امي واخوتي
سالني لم تضحك ؟
اخبرته ان جوابي لن يعجبه
ماذا تقول ؟
نعم من المستحيل ان يعجبك جوابي لانه وبكل بساطة انت تريدني ان اكون ما لست عليه ..........تريدني ان اكون رجلا وانت هربت في اول فرصة هرب لاحت لك
احترمني .........انا والدك
منذ هذه اللحظة انا يتيم
واقفلت الهاتف
لم يعاود الاتصال وكذلك سعيد
سالته امه عما يوقظه الى هذه الساعة المتاخرة من الليل فلم يجبها وكتم دمعة في عينه
لم ينم ليلتها على الرغم من انه حاول
فكر انه" لابد ان تشاركني سارة هذه اللحظة لتكون معي كما يفترض في السراء والضراء
وانا من اسبوع لم اتكلم معها وهي لم تكلمي
هل الوقت متاخر ..........حتى ولو"
ضرب رقم هاتفها الذي حفظه اكثر من راحة يده ..........فجائه الجواب ان الرقم المطلوب غير مستعمل
حاول طلبه مرة اخرى عله يكون اخطأ في طلب الرقم الا ان الجواب كان نفسه
تعجب وظن انه قد نسي الرقم في خضم ما بحدث حوله
يا رب السماء والارض ماذا افعل ؟؟؟
يستحيل علي ان اخبر امي بهذه المصيبة .....او على الاقل الان
ارتدى ثيابا سميكة .......او بالاحرى ارتدي الثياب التي لا يمتلك غيرها ونزل الى الشارع ماشيا على غير هدى
تذكر ان اخوانه لا زالوا اضغر من ان يعملوا
تذكر اجار البيت الذي يسكنونه
تذكر ان صاحب البيت سيحاول باي شكل من الاشكال طردهم منه متناسيا خمسة عسر عاما من "صباح الخير ايها الجار ومساء الخير ايها الجار " لا لشيء فقط ليؤجره بمبلغ اكبر لعائلة اصغر
تخيل منظر عائلته وهي تلقى الى الشارع
تذكر قرضا كان والده قد اخذه منذ زمن زلا زالوا يدفعون المبالغ المستحق عليه والفوائد المتراكمة الى الان
تذكر انه ان لم يدفع القرض في موعده فستطلب الشرطة والدته
تخيل منظر سارة وهي تزف الى رجل غيره ..........قد يكون زميله ........قد يكون قد "غششه"في احد الامتحانات لكنه على الاقل يملك نقودا لابد انها ستمكنه من سراء شهادته
الافكار تاخده يمنة ويسرة ...لم يعد قادرا على الفصل بين الوهم والحقيقة والشعرة التي تفصل بينه وبين الجنون كانت قد قطعت مع انتهاء مكالمته مع والده
فكر طويلا .........اين يذهب ومن يساعده في هذا الوقت المتاخر من الليل
لم يكن سعيد متدينا ولكنه كذلك لم يكن ملحدا ايضا
نظر الى السماء ووسالت على وجنتيه دمعتان دفئتا جسده
قال يا رب ولم يضف عليها اي شيء .
الليل شديد الظلمة ........الشارع لا ضوء فيه على الاطلاق ........والبرد شديد "يقص الحجر "
لا يدري سعيد اين يسير او الى اين تحمله قدماه .......الا ان ما يعرفه هو ان غده سيكون اشد حلكة من هذا الليل البهيم
الا ان ما ازاح شيئا من الهم عن قلبه هو انه سيرى محبوبته غدا .........لابد انا ستخفف عنه بعض الشيء ........ولابد انها ستحمل عني بعض هذا الحمل
طلعت بوادر الصبح وعلت زقزات العصافير الا ان هذا لم يعنه في شيء
ذهب الى الجامعة فكان من اوائل الواصلين اليها ذهب الى المكان الذي اعتاد على لقاء سارة فيه الا انه تذكر ان الوقت لا زال مبكرا جدا على قدومها
فتوجه الى مكتب مدير شؤون الطلبة عل قلبه يرق له
لكن المكتب كان مغلقا .........جلس على الارض منتظرا قدومه
مرت ساعة واثنتان ثم اتى "صاحب العطوفة متاخرا اكثر من ساعة على دوامه
انتظر سعيد ربع ساعة ليمكن عطوفته من شرب قهوته على مهل ثم استاذن ودخل عليه
اخبره بقصته والدموع تكاد تنزل من عينيه الا انه يكبحهما باقصى ما يستطيع من تلك الثروة التي يملكها الفقراء وتدعى كرامة
يستمع صاحب العطوفة اليه والاكتراث غير باد ابدا على ملامحه الا ان سعيد استمر في روي قصته
ثم اخرج من جيبه النقود ووضعها امام صاحب العطوفة قائلا انه سيتوجه الان لدفعها إيجاراً للبيت الذي يسكنون
ابدى" حضرته"بعض الاهتمام وقال له : انا اصدقك يا بني وساحاول مساعدتك وباذن الله ستحل قضيتك سريعا وسنجلب لك اعفاءا من الرسوم ومن اي مبالغ اخرى قد تدفعها
فقط اعطني هويتك الجامعية وراجعني في نهاية اليوم وباذن الله ستنال ما تحب.
شكره سعيد وقبل راسه وربما كاد يقبل يديه و"صاحب العطوفة "يتظاهر بالتواضع وهو في الحقيقة يود لو يسمح له لا بتقبيل يديه فقط بل بتقبيل قدميه الاثنتين .
انشرح قلبه واحس ان جبال العالم كلها قد ازيحت عن صدره ولم يبق الا ان يشارك سارة هذه الاخبار المطمئنة
ذهب الى القاعة التي يفترض انهما ياخذان فيها احدى المواد فوجدها تجلس في مكان غير الذي اعتادا الجلوس فيه الى جوار شاب وتضحك معه ويتحدثان بتقارب شديد لم يفكر في الموضوع كثيرا ولم يبال ابدا فهو واثق من حبها له كما يثق بطلوع الشمس من مشرقها
سلم على الشاب ومد يده ليسلم عليها ..........مدت يدها فلاحظ وجود خاتم في اصبعها
اللعنة على عيني ان لم يكن هذا خاتم خطوبة قال في نفسه
استئذنت من الشاب ان تتكلم مع سعيد بعد ان لاحظت انتقاع ملامحه
انتحيا مكانا في زاوية القاعة واخبرته وبكل اختصار :ارجوك يا سعيد ان كنت قد احببتني في يوم من الايام ارجوك ان تنساني ...انا اليوم مخطوبة من صديقك "زياد"
وارجوك ان لا تثير فضيحة ما كان بيننا هو حب نبيل ولندعه ذكرى جميلة ولنبق اصدقاء .
الحقيقة ان سعيد لم يعد يسمع اي كلمة بعد ان قالت كلمة زياد
نهض وهي لا زالت تتكلم.........نادت عليه .............نظر حوله فكانت كل الوجوه تنظر اليه وكانها كانت تسمع كل كلمة من حديثهما ..........حاول البعض كتم ضحكاتهم و وابداها البعض معلنا الشماتة
مضى سعيد خارجا نادت عليه سارة بصوت اعلى ............اصطدم بالمدرسة اثناء دخولها للقاعة ........لم ينظر ولم يعتذر ..........اغلقوا الباب ومضى هو وعادت سارة الى جوار زياد وكأن امرا لم يكن .
بكى سعيد وهو يسير بثيابه البالية التي كان يرتديها منذ ليلة الامس نظر اليه البعض والبعض لم يبال بحرقته .
فجأة تحول البكاء الى ضحك هستيري ازعج الجالسين حوله عندما جلس حيث اعتاد الجلوس مع سارة
"لابد لها ان تخطب الى سعيد انا اكيد من هذا .........بالطبع لا بد لها من ذلك ........زياد يملك نقودا .........زياد لديه عائلة مشهورة بنفوذها .........زياد لديه والد اما انا فلا .
هل حديث الانسان مع نفسه جنون ...........ان كان كذلك فما المانع .......واي عقل ابقته لي الحياة "
سخر من نفسه ومن اكتراثه براي الناس وفيه وهو قاب قوسين او ادنى من الحضيض
اشترى علبة سجائر وبدأ يدخن ........لاول مرة في حياته تلمس شفاهه سيجارة .....الا انه كان يفكر اليوم لم يعد لدي اي شيء اخسره
دخن بشراهة كاشره ما يكون المدخنون ..........ذهب في تفكيره الى اماكن بعيدة جدا ..الا انه عقد العزم خلال ساعات من التفكير الى انه لن يفشل بل سيجمع نقودا وسيحوز مجدا لا لشيء فقط ليظهر لوالده انه قادر على ان يكون رجلا .....لا لشيء فقط ليظهر لسارة انها خسرت رجلا هو بالفعل رجل
مرت الساعات سريعة ولم يبق على تحقيق امنياته سوى ان يخبره " صاحب العطوفة بما يريد ان يسمع
ذهب اليه قبل الموعد المتفق عليه قائلا لنفسه ان "حضرته " لابد سيتفهم لهفتي على الاخبار الطيبة
طرق الباب بهدوء فسمح له بالدخول
سلم على عطوفته وساله ان كان يتذكره اخبره ان نعم
لاحظ ان وجه " صاحب العطوفة "لا يبشر بخير لكنه منع نفسه من التشاؤم :ربما ان "سارته" قد تخلت عنه وهو لذلك لا يطيق النظر الى وجهي .
سأله صاحب العطوفة:لم لم تخبرني انك لا تحمل رقما وطنيا ؟
عفواَ؟
انت غزاوي اليس كذلك ؟
نعم انا كذلك ................عفوا ولكن ما المشكلة
يا سعيد انت احرجتني.......... فالمعونات والاعفاءات فقط لابناء البلد
وانا ابناء من؟
انت غزاوي
نعم لكنني وابي مولودان هنا
انت مش ابن البلد !!!!
تذكر وهو يسمع هذه الكلمات كل مرة منع نفسه من القاء ورقة على الارض او على الشارع حفاظا على نظافة وسمعة "البلد
ضحك قليلا لخاطر مر بباله ..........خاطر ربما سندم طوال حياته على انه لم يبادر لفعله
اَه لو املك الجرأة اللازمة لابول على كرشك الممتد امامك ايها الاحمق!!! لست من ابناء البلد !!!؟
اتعلم شيئا قال سعيد
ماذا ؟
انت وامثالك من تيسيؤون الى هذا البلد
انا ابن هذا البلد وابن هذا الوطن اما انت وكرشك هذا فلستم من هذا البلد
نهض تاركا "صاحب الحضرة"يحاول النهوض عن كرسيه مناديا على الامن مهددا ومتوعدا
خرج سعيد من عنده اقوى مما دخل عليه .............مشى في الشارع بكى مجددا وبحرقة ..............اللعنة عليك يا صاحب العطوفة
اللعنة عليك يا زياد
اللعنة عليك يا جارنا
اللعنة على مديري اللص
اللعنة عليك يا سارة
اللعنة عليك يا................فكر قليلا .........زاد بكائه حرقة
فليسامحك الله يا ابي
اللعنة على الحياة ..............نعم اللعنة على الحياة لانني لم افهم الحياة بشكل صحيح
يتناول علبة السجائر .........انها اخر سيجارة ...يشعلها ويحاول التفكير في حل ما
يدخل الى احد البنوك متكرا انه سمع في يوم ما عن موضوع اقراض الطالب المشكلة ان قسم الاقراض يقع في الطابق الاخير
يصعد سيرا على الاقدام لانه يخاف من المصاعد تنهك قواه فيلعن التدخين
قبل ان يصل الى الباب يتذكر انه لا يحمل رقما وطنيا .........اللعنة على نكبتي !!
يشعر بالكون يضيق عليه يفتح باب السطح ليستنشق هواءا نقيا
انه الان في الطابق الرابع ......... فلاقفز الان من هنا وارتح من كل هذا العذاب .......يختار زاوية ليقفز منها ...............يرى صورة سارة امامه في الثوب الابيض تزف الى زياد
يرى والده يعاقر الخمر في احدى الحانات
يرى صاحب الحضرة يتزوج فتاة بكرا عشرينية
اللعنة عليكم جميعا
يعقد العزم على القفز ..........تظهر له امه وهي تبكي وعمال يلقون بعفش البيت الرث الى الشارع وصاحب البيت يفرك يديه ببعضهما البعض فرحا مسرورا
يتذكر صوت ابيه وهو يقول له كن رجلا .........................ما الذي افعله ؟
هل جننت
بعد كل هذا العذاب هل ساتحول الى ابي
نعم يا ابي ساكون رجلا لم تكنه يوما
نعم يا ابي ساكون على عكسك تماما
نعم يا ابي لن اهرب يوما .........لن اهرب يوما
اللعنة علي.........اللعنة علي .......نعم علي