كيف استطيع العيش في هذا العالم ؟
برز لي هذا السؤال منذ مدة ليست بالقصيرة , لكنه تفجر في وجهي خلال فترة الثورات العربية التي كشفت عن عظمة شعوبنا وخسة معظم انظمتنا العربية الحاكمة.
تفجر هذا السؤال في وجهي وانا ارى الوضع في الصومال , ارى الاف الاطفال يقتلون بسكين الجوع التي لا تصدأ , وانا اشاهد جيراني السوريين يقتلون بيد نظام الممانعة والمقاومة و الامة العربية الماجدة ذات الرسالة الخالدة ,برز لي وانا ارى الانتقائية التي يتعامل فيها الاصلاحيون العرب مع الوضع في البحرين , برز لي هذا السؤال قديما وانا ارى مئات الالاف من البشر يموتون في هاييتي
ولا اظنني قادرا على اكمال الماسي التي يعاني منها العالم , الماسي التي جعلت من العيش في هذا العالم امرا مقرفا , الماسي التي حولت الارض من جنة للحالمين الى كابوس للعالمين , او لمعظمهم
لماذا يموت الناس جوعا على الرغم من اننا صرنا في القرن الواحد و العشرين ؟ لماذا لا تجد الصومال مبلغ 200 مليون دولار بينما تخسر بورصة وول ستريت في يوم واحد اكثر من تريليون دولار ولا يجوع اثر هذه الخسارة احد ؟ لماذا يملك انسان واحد عشرات المليارات من الدولارات بينما بلد باكلمه لا يجد ما يسد به افواه اطفاله ؟
ولنتحدث عن امور اكثر بساطة من هذه الامور ,دعونا نتحدث عما يحصل حولنا وبالقرب منا
فلنتحدث عن طعام الموائد والولائم الذي يلقى الى سلال المهملات بينما لا يجد الكثيرون ممن يعيشون في ذات مدينتنا عمان قوت يومهم ؟ لماذا تلقي كبرى المطاعم عشرات "الكيلوهات " من الطعام الفائض بينما تمتلئ مئات البيوت بالاف الامعاء الخاوية التي تبيت ليلتها دون عشاء ؟ لماذا لا يتمكن فلان من اكمال دراسته بينما يصرف علان على بنزين سيارته في الشهر الواحد ما يكفي حياة فلان كلها خلال سنة كاملة ؟
هل تودون المزيد من انباء الظلم المنتشر حول العالم ؟؟؟ لماذا عندما يحصل زلزال بقوة 8,9 في اليابان يموت 12 الف انسان بينما عندما يحصل زلزال بقوة سبع درجات في هاييتي يموت اكثر من ربع مليون
الخسارتان مؤلمتان جدا ولكن لم هنا 12 الف وهناك ربع مليون
حتى عندما " اقتربت اللقمة من الفم " ورأينا العرب ينتفضون على محتليهم , وبمجرد ان سقط الجاثمون على صدورنا بدأ الثوار لحم بعضهم البعض ينهشون , بدأ الشارع يتململ من الثورة , بل وتجرا البعض على الترحم على ايام المخاليع
وهل هناك انتكاسة بحجم هذه الانتكاسة ؟؟؟
اذا ما الحل ؟
كيف اصلح عالما كل ما فيه مخربط ؟ وكيف ساتمكن من الاصلاح وانا "كلما سكرت خزق , بلاقي مكانه مية "
وهل اترك كل ما سمعته عن الامر بالمعروف وعن وجوب جعل هذا العالم مكاناً افضل ؟ هل انسى قصص اكلت يوم اكل الثور البنفتحي ؟ هل انسى قصيدة مارتن نيمولر..والتي يقول فيها : في ألمانيا عندما اعتقلوا الشيوعيين لم أبال لأنني لست شيوعياً، وعندما اضطهدوا اليهود لم أبال لأنني لست يهودياً، ثم عندما أضطهدوا النقابات العمالية لم أبال لأني لم أكن نقابيا ..بعدها عندما أضطهدوا الكاثوليك لم أبالي لأني بروتستنتي..و عندما أضطهدوني انا ..لم يبق أحد حينها ليدافع عني
وماذا لو انني فعلت كما فعل هذا الشاعر وعشت لنفسي ونفسي فقط ؟ ماذا سأفعل عندما يصلني الطوفان ؟ وهو لابد فاعل !!
انا الان بين معضلتين كبيرتين جدا , وهما يا اصدقائي الاعزاء معضلتان تقدر أي منهما على الاطاحة باكبر راس اصلاحي فكيف براس كراسي ؟ وكيف ستقاوم عيني مخرز هذه الواقعية مفرطة التشاؤم ؟
المعضلتان هما عدم قدرتي على اصلاح الكوكب وعلى الوصول به الى ما اريد !! وفي الوقت ذاته رفضي لمبدأ اللهم نفسي ورفضي القاطع لانتظار الطوفان
2
بعد طول تفكير وتمحيص وجدت ان الحل الامثل لهاتين المعضلتين واللتان هما في الحقيقة واحد ,هو الايمان , نعم الايمان
ولست هنا في مقام الوعظ ولا اتحدث هكذا لاننا في رمضان فقط , بل لان هذه الفكرة باتت قناعة لدي
الحقيقة البسيطة ايها السادة هي ان الايمان وحده هو الذي يدعوني الى الاصلاح بل ويفرضه علي فرضا , وفي الوقت ذاته يخبرني انني لست مطالبا بحل كل مشاكل هذا الكوكب
كيف ذلك ؟
ان المنظور الديني لهذه الحياة الدنيا هي انها دار عمل وابتلاء واختبار لا دار مكافاة وجزاء ومنح , ومعنى هذا الكلام اننا سنبقى في حياتنا هذه من صنوف الابتلاء الشيء الكثير ," ليبلوكم ايكم احسن عملا" كماجاء في الذكر الحكيم
اما النظرة الاخرى للحياة والتي ترى ان الحياة الدنيا دار جزاء , او انه لا عالم بعد هذا العالم , فلا اعلم كيف ترضي الرغبة الاصلاحية لدى معتنقيها , فالامر جد خطير , والعالم يسير من سيء الى اسوا , ولا داعي لاعادة ذكر الفظائع التي نشاهدها ليل نهار حتى باتت امرا عاديا
ان النظر الى الدنيا على انها هي دار المستقر , او انها المكان الي ساتنعم فيه وساستلذ بسني عمري طالت ام قصرت هي التي ستقتل كل رغبة اصلاحية لدى الانسان , وستجبره "في الغالب " على ان يقول " وانا مالي " وان يقول "حط راسك بين الروس " وغيرها من عبارات العار
بالطبع انا لا اتهم هنا احدا , بل وارفع القبعة احتراما لكل ذي همة اصلاحية . ولكل رافض للذل وللمهانة . ولكل من يناضل من اجل جعل هذا المكان عالما افضل
لكنني في هذا المقال احاول ان اخبركم ايها السيدات والسادة انكم مهما كنتم مخلصين مثابرين على الدعوة للاصلاح وعلى العمل من اجل الوصول اليه , ومن اجل الوصول الى المدينة الفاضلة , صدقوني "مع الاعتذار لكم " انكم لن تنجحوا .
هذا الكلام لا يعبر عن انتكاسة في همتي وعزيمتي ؟ بل على العكس, ولكنها واقعية وقراءة "شخصية " لما يحدث حولي
والدليل على ما اقول تجارب المصلحين الكبار والمصلحين المميين الذين عادتهم اممهم لاوضاع اسوا بعد وفاتهم او ربما في حياتهم ايضا
المنظور الديني يخبرنا ان الدار الاخرة والتي تبدأ مع خروج الروح من الجسد هي دار الجزاء , دار الثواب والعقاب , دار العدل الكامل الكلي اللا متناهي , والذي لا تشوبه شائبة ابدا
لكن هل هذا يعني ان نجلس في بيوتنا منتظرين ذلك الحل الالهي , هل نطالب الفقراء بالانتحار ليصلوا اسرع الى عددالة السماء ؟ هل نطالب الفلسطينيين بالا يناضلوا من اجل تحرير بلادهم بحجة او ان ينتحروا ليصلوا الى اجمل الاوطان والى جنة الرحمن ؟
بالطبع لا
فالدين وكما افهمه وكما به اومن يقول ان الانسان في هذه الحياة مسؤول عن عمارة الارض ماديا وروحيا , وان الانسان مستخلف في هذه الارض ليقوم بجعلها مكانا افضل مما هي عليه
الايمان يستوجب منك ان تسعى جاهدا لجعل هذا العالم مكانا افضل , ان تحث الخطى نحو مستقبل مشرق لأبنائك , ان تمسك بيد الخائفين ليروا نور الشمس , ان تمسح دمعة المسكين , وان ترفض الذل والظلم والقهر والاكراه والغصب و السلب والنهب , والسرقة والقتل .
الايمان يقول لك ان عالمك الاخروي اجمل بالقدر الذي تساهم فيه بتحسين هذه الدنيا
او على الاقل هكذا انا افهم التدين
الايمان يخبرني انني في الدنيا اصنع جنتي
ايماني يخبرني انني اكون مخطئا بحق الدين وبحق نفسي ان وضعت يدي على خدي وقلت "شو طالع يادي انا ؟ "
خلاصة الكلام ايها الاخوة ان الايمان يجبر خواطرنا ,الايمان يطالبنا ان نعمل جاهدين ,وليل نهار من اجل اعمار الارض وجعلها مكانا افضل مما هي عليه , لكنه في الوقت ذاته يخبرنا بالحقيقة التي سنصل لها لاحقا وهي اننا لن نتمكن من الوصول الى المدينة المثالية الفاضلة , لانها هناك
لكنك وبالقدر الذي تسعى به للوصول للمدينة الفاضلة هنا فانك تجعل من مدينتك الاخروية اجمل وافضل
وهذا كاف جدا بالنسبة لي