تعرفت في الاونة الاخيرة وعن طريق الصديقة المدونة اية الموسى الى المطرب اللبناني خالد الهبر وقد عرفت بالصدفة اغنيته الرائعة الخالدة "انا عائد الى حيفا " والتي تحمل اسما قريبا جدا من رواية قصيرة للشهيد الاديب غسان كنفاني والتي كان قد مثلها الرائع الجميل غنام غنام .
تزامن هذا الامر كله مع بدئي بقراءة رواية السيدة من تل ابيب والتي تحمل في طياتها وبحسب ما قراته منها الى الان مشاعر العودة والحنين الى الوطن وعن العودة بشكل عام ,ولذا فقد قررت ان استعيد وان اعيد كتابة قصتي القديمة التي كنت قد بدأت كتابتها منذ زمن ويبدو ان الوقت قد حان لاعيد كتابتها ولاستكمل ما نقص من فصولها :
ذات ليلة قمرها ساطع في سمائها , اتى والدي الى البيت حاملا خبرا سيقلب لي حياتي راسا على عقب , والخبر كان ببساطة انه يتوجب على عائلتنا ولسبب لم افهمه الى الان ان تغادر الاردن الى فلسطين المحتلة , السبب بحسب ما فهمت من ابي هو انه علينا ان نحول كروت عبورنا للجسر من اللون لاخضر الى اللون الاصفر , والا فاننا مهددون بفقد الجنسية .
كان هذا الكلام قبل عامين من الان او اكثر بقليل , والحقيقة انني كنت واعيا وقتها وكنت مطلعا على ما يجري في البلد "نوعا ما " لكن كل هذا الحديث عن سحب للجنسيات وعن ان تمسي اردنيا وتصبح في اليوم التالي ضيفا ثقيل الدم على اقتصاد الوطن كنت لا اصدقه واعتبره محاولات من البعض لتعكير جو حياتنا كأردنيين , خاصة في ظل النفي الرسمي للموضوع " طبعا انا اعقل من ان اصدق الحكومة ’ لكنها رغبة ما في الا اصدق .
المهم ان والدي طلب مني ان اذهب في الغد لكي اجدد جواز سفري , وبالفعل لم انم ليلتها وانا افكر في الذي سيحدث غدا ,هل فعلا سأفقد هويتي الاردنية . هل سأصير وافدا على البلد الذي عشت فيه كل حياتي ؟ انا مولود هنا واعرف ان هذا الاردن هو وطني تماما كما فلسطين وطني وقد منحني الله القدرة على ان احب كلا الارضين التي فرق بينهما الاحتلال بذات القدر , فهل علي غدا ان اختار ؟ او انني قد فقدت القدرة على الاختيار ايضا ؟
اتصلت بصديق ما لكي يضيع بعض الوقت بعد ان تأكدت ان النوم قد اقسم ايمانا مغلطة ان يجافيني . ولكن صديقي لم يجب , قلبت كل محطات التلفاز علني اجد فيلما جيدا او غير جيد لاشاهده واضيع معه ساعة او ساعتين , لكن التلفاز فيما يبدو كان مشاركا في المؤامرة , حتى الكتب التي اعتادت القيام بتسليتي على اكمل وجه باتت مملة ومزعجة للعين وللرأس . وفي نهاية الليلة وبينما الافكار تعبث بي ادركت ان العيب ليس في الكتاب ولا الصديق النائم ولا التلففاز المتأمر المدسوس , كل ما في الامر انني كنت اضعف من ان اسمح لنفسي بالتمرد على مخاوفي .
بشكل او باخر مضت الليلة دونما نوم , الا في حدود الساعة السادسة صباحا وبينما الشمس تستعد لالقاء دفئها على الارض ومحو الظلام الذي كان يخيم على المكان , سهت عيني عن غير قصد مني ونمت ساعة او اقل صحوت بعدها اكثر تعبا واقل ادراكا مما كنت عليه قبل تلك الساعة المشؤومة , ارتديت ثيابي على عجل , لم اغسل وجهي وخرجت في السابعة تماما الى دائرة الاحوال المدنية .
2
في كثير من الاحيان اتمنى لو انني مدخن شره , ليس حبا في الدخان ولكن لانني اعتدت مشاهدة الناس يدخنون في لحظات القلق ولحظات الانتظار , و قد كنت كتلة من القلق وانا اجلس على الكرسي منتظرا حلول دوري في تقديم معاملة تجديد جواز السفر .
_ "في اليوم الفلاني خرجتَ في تلك المظاهرة الفلانية , اليس كذلك ؟ وفي ذلك اليوم هتفت مع اولئك الهاتفين بطرد السفير واغلاق السفارة ؟ اليس كذلك ؟ , وبينما كنتَ جالسا في مقهاك المفضل تكلم احد الجالسين عن معاهدة السلام وبقيت صامتا ,اليس كذلك ؟,,,,,,,,,,و الادهى والامر انك هتفت :كلمة حق صريحة ,,وادي عربة فضيحة " حتى بح صوتك وانقطعت احبالك الصوتية .اليس كذلك ؟ "
_بلا فعلت هذا كله وامورا راحت عن بالك يا عزازيلي اللعين ؟ وهل ينقصني ان تزيد همومي هما , ومخاوفي رعبا ؟؟
ولو ان من كان يسالني تلك الاسئلة هو ضابط مخابرات , او موظف الشباك لربما كنت جريت هربا من الدائرة حتى لا تعود ساقاي قادرتين على حملي , لكنها كوابيس اليقظة اللعينة .
تجري الامور في دائرة الحوال المدنية على خير ما يرام , و اجدد جواز سفري بشكل اعتيادي للغاية , واعود الى البيت فرحا بوقوف المراجعين على الدور , وبتعامل الموظفين الجيد " نوعا ما " مع المراجعين .
في الحلقة القادمة من عائد الى شيء ما سأكتب عن الطريق الى الجسر .