التالي هو عبارة عن تعليقات عشوائية حول رواية الرائع جورج أورويل ,أخذتها من وحي قراءة الرواية في الفترة الماضية , وكذلك من وحي مناقشتها مع الاصدقاء في نادي قرّاء حبر : انكتاب .
بالنسبة لي أرى أنه ولكي نعرف لم كتب أورويل الكتاب على هذا النحو من التشاؤمية المفرطة , وعلى ما رأينا ولمسنا من سوداوية , لابد لنا أن نعرف الفترة التي كتب خلالها , والتي هي ظاهرة من العنوان الذي هو انعكاس للعام الذي كتب خلاله الكتاب , أي العام 1948 , أي أن الكتاب قد تم تأليفه فقط بعد ثلاث سنوات على الحرب العالمية الثانية , الحرب التي لم تبق ولم تذر , الحرب التي اطاحت بأحلام الإنسانية في العيش الهانئ , وفي سلام يسود العالم ولو لسنوات قليلة بعد أن عانى العالم من حرب اولى مدمرة كذلك , الحرب العالمية الثانية التي توفي خلالها وبحسب ويكيبيديا اكثر من سبعين مليون انسان , الحرب التي استعمل فيها للمرة الاولى السلاح النووي , والذي أظهر أنه لا حدود لوحشية الانسان , ولا لجنونه وحبه لذاته .
وفي ظل هذه الظروف الموجعة والمحفزة لأي إنسان ذو روح حية " أو تكاد تكون " جاء كتاب اورويل هذا , كنداء استغاثة يوجهه اورويل الى اخوانه من بني البشر , نداء استغاثة يقول بلغة لا لبس فيها : أن يا إخواني ان لم تفعلوا شيئا وبسرعة فان هذه هي الحال التي سنكونها خلال سنوات اقل مما تتخيلون
كتاب 1984 ليس عملا روائيا هدفه اثراء المكتبة العالمية برواية سوداء , لا يا سادتي , فالكتاب الذي بين يدينا هو دعوة صريحة للمقاومة , للثورة , وللدفاع عن حقوقنا التي انتزعتها البشرية خلال الاف السنوات من الصراع بين الشعوب وبين الطغاة, بين دعاة الذل ودعاة الحرية , بين الأوغاد والبشر .
صور لنا اورويل المجتمع الذي سنعيش فيه بعد سنوات , المجتمع الذي نصبح فيه كلنا عبيدا بطريقة او باخرى , المجتمع الذي يوحدنا تحت راية الخوف الازلي , الخوف من زوجتك وابنك واخيك ورفيقك , الخوف من ان تفضحك فكرة عابرة تمر براسك , الخوف من أن ترمش عينك أو يدق قلبك لانه " كان عليك بحكم العادة التي تحولت الى غريزة ان تفترض ان كل صوت يصدر عنك مسموع , وان كل حركة مرصودة " .
مجتمع لا مكان فيه للحب , هو مكان لا يصلح للعيش , لا يجوز لنا تسمية من يقبلون العيش فيه باسم البشر , هي كائنات تشبهنا لكنها ليست منا
ما كان يسعى اليه النظام الحزبي في الرواية والذي نجح في الوصول اليه , كان في احدى مراحل غسله للأدمغة يعمل على خلق شرطي داخل كل رأس , لا بل انه قام بخلق جهاز مخابرات قمعي داخل كل رأس من رؤوس اشباه البشر الذين كانوا متواجدين .
قاموا باجراءات لم تخطر من قبل على بال بشر سوى اورويل هدفها الوصول بالبشر الى النسيان التام , والفقدان الكامل للهوية الانسانية , وهذا الامر ليس خطيرا فقط , بل مرعب جدا , وقد تم لهم ذلك اخيرا . تم ذلك عن طريق وسائل من بينها انهم قاموا بالغاء الفروقات , كل الفروقات بين البشر , فصاروا متشابهين في كل شيء , ولهذا كان للحزب زي رسمي مثلا , للامعان في فصل اعضاء الحزب عن بقية الشعب , وكذلك لانهم ارادوا لاعضاء الحزب ان يكونوا متشابهين في كل شيء
واذا اخذنا التشابه في المظهر الخارجي مع ما تتم زراعته يوميا من اكاذيب واوهام في العقول, مع ما يتم نزعه من النفس البشرية من مشاعر سنرى ان ما يخلقه الحزب هو مجموعة من العبيد , الذين ستكون مهمتهم في هذا العالم هي الطاعة العمياء اللانهائية لاوامر الحزب , وعدم الجرأة ولا القدرة على عصيان اوامر الاخ الاكبر
ومن هذه النقطة بالتحديد يمكننا أن نعرف أهمية الثورة التي قام بها ونستون , ففي ظل نظام على هذه الدرجة من الذكاء ,والسطوة , تصبح حتى كلمة لا ثورة , ولو كانت هذه اللا كلمة تكتب على ورقة لا مكان لها الا الادراج المقفلة , حتى ولو كانت هذه اللا خاطرا عابرا مر بالبال , حتى لو كانت هذه اللا علاقة جنسية حرمها الحزب وأراد لها الا تتم
اللا هي المقاومة , اللا هي التي ستغير العالم , وهي التي ستقوض الحزب , والقذارة التي ارتكبها ونستون وجوليا هي فعل الطهارة الوحيد في زمن ارتدت فيه البشرية جمعاء
ولمن راى ان ونستون جبان او انه اناني اقول
"جئت الى هذه الدنيا لكي لا اوافق " ماكسيم غوركي
(( ... كان في سالف العصر و الآوان ساحرأراد تدمير مملكة بكاملها ..
فدس جرعة سحرية في البئر التي يشرب منها السكان ..
وبات كل من يشرب من مائها يُجن
في صباح اليوم التالي , شرب جميع السكان من البئر , فغدوا كلهم مجانين
باستثناء الملك وعائلته .. إذ كانت لديهم بئرهم الخاصة وصعب على الساحر
دس السم فيها
قلق الملك وحاول ضبط السكان فأصدر سلسلة من القوانين و التشريعات ترعى
الأمن والصحة العامة .. لكن رجال الشرطة والمحققين شربوا من البئر أيضاً
فاعتبروا قرارات الملك مبهمة سخيفة و تغاضوا عنها
وعندما تناهى خبر هذه المراسيم إلى السكان .. تولدت لديهم قناعة بأن
الملك قد جن ؛ و انه يصدر أوامر لامعنى لها .. فساروا نحو القصر مطالبين
بتنحيه عن العرش
وبعد ان يئس الملك قرر التنازل عن العرش لكن الملكة ردعته قائلة :
" فلنشرب من البئر العامة , ونصبح مثلهم حينئذ "
تم الامر , وشرب الملك والملكة من بئر الجنون وبدآ على الفور بالهذيان
تاب إذ ذاك أعوانهما .. وفكروا في ما يغدقه عليهم الملك من حكمة , فلمَ
لا يدعونه يتابع حكمه إذن ؟؟
وعاش أهل البلاد حياة هنيئة , مع ان سلوك سكانها اختلف تماماً عن سلوك السكان المجاورين .. وظل الملك قادراً على الحكم حتى آخر أيامه .... ))
ما فعله "البطل " ونستون هو انه رفض ان يفعل كما فعل الملك في القصة اعلاه , رفض ان يضع راسه بين الرؤوس .
اما عن نهاية الرواية فاظن ان السبب في كونها جائت على ما رأينا , ولم تات كما توقعنا لها من ان ينتصر الخير على الشر , ومن ان الثورة لم تقم فالسر في ذلك _ من وجهة نظري طبعا_ يكمن في الفصل السابع من الرواية الذي يبدأ بالعبارة التي اطربتني طيلة فترة القراءة والتي يقول فيها "ان يكن ثمة من امل فهو معقود على العامة "
ما اراد اورويل قوله هو ما قاله ابو القاسم الشابي : اذا الشعب يوما اراد الحياة
وهو ما قالته وفهمته الجماهير العربية التي خرجت الى الشوارع قائلة : الشعب يريد
امنوا بالشعوب وقوتها ولابد انها ستفاجؤكم
No comments:
Post a Comment