Monday, December 24, 2012

عن تجارة الوهم أتحدث

انتهت من قراءة الكتاب الذي نصحتها به صديقتها , مطلقة تنهيدة من أبعد نقطة في جوفها , هي تنهيدة من عرفت أن حياتها عبارة عن فشل ذريع مستمر . ونامت او تصنعت النوم ربما . 
, كيف لها ان تنام ليلتها وقد قرأت ما قرأت , لو أنها شاهدت فيلم رعب مريع لما أصابها كل هذا الكم من الخوف , منذ اللحظة التي أغلقت فيها الكتاب وهي تخاف , تخاف النوم , تخاف الإستيقاظ , تخاف إن هي نامت أن تزورها بطلة الرواية , أو أن يحدث الأسوأ ويزورها البطل , تخاف إن هي استيقظت أن ترى الرواية في كل ركن من أركان البيت الذي كان حتى اليوم الذي قرأت فيه الرواية بيتا فسيحاً واسعا , تخاف إن هي استيقظت ونظرت إلى زوجها ان تقوم بقتله , من يظن نفسه حتى يعاملني بهذه الطريقة التي يعاملني بها , من أين له هذا الكم من الوقاحة ليعاملني كشيء أقل من الأميرة المتوجة, هكذا كان طلال يعامل هالة , فلماذا لا يعاملني زوجي هكذا , 
تذكرت ان حماتها معزومة على الغداء عندهم في اليوم التالي , وأن عليها ان تنام الان , ولتذهب هالة وعشاقها إلى الجحيم , وإلّا فإن حماتها ستحول حياتها جحيما , ستتسلى بإهانتها إن لم يعجبها ما حضرته لها من طعام , ستتفنن بالتعليق عليها إن رأت في البيت ما لا يعجبها , وستبرع في إسماعها العبارات التي ستتظاهر هي في انها لم تسمعها  .

هذا باختصار يا أعزائي هي ما ستكون عليه ليلة فتاة ثلاثينة قررت لسوء حظّها أن تقرأ الهراء الذي خطّته أحلام مستغانمي في روايتها الجديدة : الأسود يليق بك 
في البداية لن اخفي إعجابي باللغة الأنيقة التي استعملتها مستغانمي في روايتها , تلك اللغة الصالحة للإقتباس , ولوضعها في رسائل العشّاق , ولن اخفي أيضاً انحيازي المطلق للكتابات الغاضبة  وللكتاب الاوغاد , من الماغوط لنجيب سرور لممدوح عدوان وكافكا وسالنجر وغيرهم من الملاعين الذين ما أضافوا رتوشا ولا مكياجا لهذا العالم القذر 
ومن بعد هذه المقدمة غير الضرورية يمكنني القول ان الساعات التي ستقضيها في قراءة 
الأسود يليق بك هي ساعات ضائعة كان بإمكانكم قضاؤها في مشاهدة الدوري المحلي أو 
ربما في النوم , أو حتى في العبث بأصابع أقدامكم , , الرواية ليست فقط إضاعة للوقت , ولا تجارة وهم , ولا ادب مراهقين فقط , ولكنها خطر على شبابنا وعلى أفكارهم ومستقبل علاقاتهم , رواية على شاكلة قصص الجميلة والوحش , وفلة والأقزام , قصص الطفولة التي ترينا العالم على عكس ما هو , ترينا العالم ورديا , والخير منتصراً , والشر مندحراً . 
بالطبع سيقال لي ان الرواية على عكس ما كتبت وان النهاية لا تقول هذا أبدأ , صحيح , لكن النهاية لم تكن متقنة أبداً ولا مناسبة لاحداث الرواية ومجرياتها , والظروف التي أدت إلى انفجار بطل الرواية في بطلتها ليست منطقية ولا قابلة للتصديق , حتى أن شعوراً سيراودك ولا محالة أن الكاتبة العزيزة قد ملّت من الرواية فجأة وقررت إنهائها كيفما اتفق . 
ربما الامر الثاني الذي أحسبه للكاتبة هو تعريجها ولو سريعا على الكارثة التي تعرضت لها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي , وصعود التيارات الإرهابية و اقتتالها مع الدولة في حرب ذهب ضحيتها الأبرياء والفقراء .  ولو قدّر لي ان أنصح الروائية , لما قلت لها سوى ان ركزي يا عزيزتي على هذا الموضوع واكتبي عنه , خصوصا في هذا  التوقيت , صحيح ان الرواية التي قد تكتبينها لن تنال رضى معجبيك ومحبيك المخلصين ولن تكون رواية تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعا في العالم العربي لشهور , لكنها ستكون رواية مفيدة يذكرها لك التاريخ , وستكون رواية تعمل على تغيير القذارة التي طفحت في هذا العالم . 
هل الرواية سيئة إلى هذه الدرجة ؟ نعم , مع انها ليست أسوأ ما قرأت , وعلى الرغم من أن بإمكاني ان أقتبس عشرات الأقوال الجميلة التي وردت بين ثنايا الرواية , لكن العالم يا أعزائي ليس بحاجة إلى مزيد من الروايات التي تتحدث عن الحب المثالي" الخيالي جدا"  , حب المراهقة وأغاني كاظم الساهر , ما نحتاج إليه هو الأدب الغاضب , هو الادب الذي يكرهه السلطان , الأدب الذي يدفعك إلى أن تثور , إلى أن تنهض . 

ملاحظة : في الرواية أمر اخطر من هذا الذي ذكرت , وهو موضوع المرأة العربية والقضاء على ما اكتسبته لذاتها من مكانة بفعل نضالها لسنوات وعقود , للوهلة الاولى ستبدو الرواية معززة لدور المراة ةاستقلاليتها , وسيعطى للتدليل على هذا الكلام مثالان : الأول هو أن البطلة قد تحدث سلطة القبيلة وقررت ان تقاوم هذه السلطة ولو عبر حنجرتها , والمثال الثاني هو ان البطلة ما اعتذرت للبطل بعد ان فعل فعلته , ولا امتهنت كرامتها , لكن هذين المثالين لا يكفيان للرد على التبعية التي أظهرتها البطلة خلال قصة الحب التي تم عرضها  في الرواية , ولا على كون العلاقة كانت قائمة على تباع ومتبوع لا علاقة  بين شريكين على ذات القدر من الأهمية والمكانة . 
إن قررت أن أناقش هذه الفكرة فسأعاود قراءة الرواية مرّة اخرى :)

Wednesday, December 12, 2012

عن رواية عاهرة ونصف مجنون

منذ أسبوعين تقريبا لم أقرا أي كتاب , وهي مدة عادية لا تشي بالخطر لكنني هذه المرّة اعتبرتها نذيرا بكارثة , هي ابتعادي عن عالم القراءة , والذي كان في فترة من فترات حياتي يشكل عالمي كله , فكرت طويلا في النص الذي يجب أن أتناوله حتى استعيد قدرتي على اقراءة , فجرّبت أن أقرأ رواية زينب لمحمد حسين هيكل والتي يعتبرها البعض أول عمل روائي عربي مكتمل الشروط , إلّا أن ما كان يحدث لي خلال كل محاولاتي السابقة في الأسابيع الماضية قد تكرّر , فبعد عدة صفحات مللت من الرواية وكاتبها , وحرنت كما الحصان عن المواصلة , وغيّرت الرواية إلى رواية البطء للتشيكي اللعين ميلان كونديرا , وعلى الرغم من ان مطلع الرواية قد استهواني , والحديث عن ماركيز دو ساد قد أغراني , إلّا ان عقدة كل مرّة قد عاودتني فوضعت الكتاب جانبا متذرعا بعمل عليّ إنجازه , او وجبة علي إعدادها . 
وفي النهاية قادني قدري إلى فتح رواية عاهرة ونصف مجنون للسوري حنا مينا , وهو راو شهير للغاية لكنني لم اكن قد قرات له شيئا من قبل , والرواية أذكر ان صديقا لي قد امتدحها امامي , وعندما نظرت إلى عدد صفحاتها فوجدتها تسعين صفحة فقط عزمت الامر على أن أقرأها وأستعيد بها هوايتي وهويتي . 
وبالفعل فتحت الرواية وبدأت القراءة قبل عدة ساعات  وها أنا الأن اكتب ما اكتب وقد أنهيت الرواية , وأغلب الظن أنني سأقرأ لحنا مينا مرّة اخرى وربما مرّات , لماذا ؟ 
نجح الكاتب في هذه الرواية في خداعي , فقد بدأ الصفحات الأول من روايته متحدثا عن
 روائية عربية "خيالية أو حقيقية لا فرق " تدعى لورانس شعلول , وهذه الروائية الجرئية للغاية كتبت رواية غائة في الجرأة تتحدث فيها عن أيام طفولتها ومراهقتها المبكرة , وكيف كان الفقر قد دفع أسرتها إلى ان تسكن بيتا يتكون من غرفة واحدة بسرير واحد , وعندما كان الوالد يقرر أن يمارس الجنس مع الام فقد كان يعلن أمام الأبناء أنه سينام اليوم على السرير , فيتأهب الأبناء لسماع أصوات والديهما يمارسان الجنس على طريقتها الخاصة , وقد كانت الفتاة اللعينة لورانس تشارك أمها النوم على السرير حتى عندما يمارسان عملهما الروتيني , فتسمع ما لا يليق بعاهرة محترفة أن تسمعه , خاصة وأن والديها وخصوصا الأب لم يكن يولي أمر سماع أبنائه لما يتبادل وزوجته من أصوات وشتائم اي اهتمام , وفي ذلك الجزء من الرواية حوار تاريخي بين المرأة وزوجها لا استطيع إيفاءه حقّه إلّا عبر قولي لكم أنه يتوجب عليكم قرائته . 
ومن ذلك البيت تخرج لورانس لتلتقطها امرأة ثرية فتتحول كاتبتنا إلى عاهرة شاذة عند هذه السيدة التي تغدق لورانس ما كانت محرومة منه طيلة حياتها 
وبينما تقرا تلك السطور تفاجئ بلورانس تنقل الكلام لحنا مينا لكي يقول رأيه في روايتها , وهو إذ يبدأ بعدة سطور يتحدث فيها عن الكتابة والأدب نجده ينتقل إلى الحديث عن نفسه ويتحول النص الذي كنت أفترض انه رواية إلى نص يشبه السيرة الذاتية الخاصة بحنّا مينا 
لا استطيع هنا إلأ أن أفكر بالامور التالية : لو كانت عبارة سيرة ذاتية مكتوبة على الغلاف هل كنت سأقرأ الكتاب ؟ على الأغلب لا 
لقد نجح حنا مينا في الضحك عليّ والسخرية منّي ومن قرأءه , لقد ابتلعنا الطعم الكاذب الذي رماه لنا عبر لورانس , لكي يتمكن من قول ما يريده لنا لاحقا بعد  ان يكون قد ضمن أننا قد تورطنا وبدأنا في الكتاب , بعد ان يضمن اننا إن لم نكن ععجبين بسيرته الذاتية فإننا على الأقل سنواصل القراءة من أجل معرفة ما الذي سيحدث لاحقا للورانس , وهو الامر الذي لم يقله مينا على الرغم من انه قد وعد بنشر روايتها بعد سنة من تلك الرواية , فهل فعل ؟ 
بعيدا عن الجزء الأول من الرواية والذي تحدثنا فيه لورانس عن حياتها ذلك الجحيم المسمّى بيتا , بعيدا عن هذا الجزء فقد استفدت العديد من الأمور من سيرة حنا مينا , والتي هي بالمناسبة ليست سيرة ذاتية كما اعتدنا أن نقرأ , فهو لا يذكر إلّا كلاما قليلا مبهما في معظمه عن أيامه الاولى , أيام التشرد والفقر والجوع , أيام الصيام القسري عن الطعام  , أيام النضال ضد المحتل وأذنابه , أيام الإعتقالات , وحتى عندما يذكر هذه الأمور فإنه يجملها إجمالا , الامر الذي لم اجد له تفسيرا او منطقا سوى ان صديقنا قد كتب الرواية من " قفا إيده " 
لكن أجمل ما في الرواية هي جملة مينا التي يصف بها نفسه قائلا  : انا نصف مجنون نصف عاقل , وأفضل نصفي المجنون على نصفي العاقل " , توقفت مطولا عند هذه الجملة وفكرت عن مقادر جنوني !
 أن تكون عاقلا يعني ان تسير مع القطيع , ان تسلّم بالواقع , ان تقول نعم عندما يقال لك قل نعم , وتقول لا عندما يقولون لك قل لك , ان تكون عاقلا يعني أن تكون عادياً , ان تكون مثل الاخرين , ان تكون مماثلا لأشباه البشر المحيطين بك من كل جانب , أن تكون عاقلا معناه ان تقضي حياتك كما قالوا لك ان تفعل : ان تعيش حياتك محاولا إرضاء السلطة , السلطة السياسية والدينية والإجتماعية , ان تفعل ما تمليه عليك القبيلة ! 
وانا للأسف فيّ كثير من هذه العقلانية المزعومة , صحيح انني أعمل جاهدا على رفضها , اعمل جاهدا على أن أصير كغوركي الذي جاء إلى هذا العالم لئلّا يوافق , أسعى جاهدا لأن أكون دون كيشوتا أخر يحارب طواحين الهواء ويعيد مجد الفرسان الغابرين , دون كيشوتا يحارب حيث سيهزم , "ونعيد الكرّة بعد هزيمتنا مثل اللعبة
مثل مضاجعة العاقر لا تأملُ أبناء، بل يكفيك قضاء الرغبه"
أحتاج إلى مزيد من الجنون , أنا الأن ربع مجنون , بل أقل من عشر مجنون , وهذا غير كاف , , ولذا سأجن أكثر , وسأرقص عاريا تحت المطر , ولن أبالي بالعيون التي ترقب ولا بالألسن التي تتحدث , فالمجد كل المجد لمن قالوا لا في وجه من قالوا نعم , المجد كل المجد علّموا الإنسان تمزيق العدم 
وكما قال القائل يا مجانين العالم ومجذوبيه : اتحدوا